في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره من النقاد وإيرادها حديثا حديثا على سياق الكتاب وسياق ما حضر من الجواب عن ذلك
وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب فإن جميعها وارد من جهة أخرى، وهي ما ادعاه الإمام أبو عمرو بن الصلاح وغيره من الإجماع على تلقي هذا الكتاب بالقبول والتسليم لصحة جميع ما فيه فإن هذه المواضع متنازع في صحتها فلم يحصل لها من التلقي ما حصل لمعظم الكتاب، وقد تعرض لذلك ابن الصلاح في قوله إلا مواضع يسيرة انتقدها عليه الدارقطني وغيره، وقال في مقدمة شرح مسلم له ما أخذ عليهما، يعني على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول انتهى، وهو احتراز حسن، واختلف كلام الشيخ محيي الدين في هذه المواضع، فقال في مقدمة شرح مسلم ما نصه: فصل قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ونزلت عن درجة ما التزماه، وقد ألف الدارقطني في ذلك ولأبي مسعود الدمشقي أيضا عليهما استدراك ولأبي علي الغساني في جز العلل من التقييد استدراك عليهما، وقد أجيب عن ذلك أو أكثره اهـ، وقال في مقدمة شرح البخاري: فصل قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك اهـ كلامه. وسيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كذلك.
وقوله في شرح مسلم، وقد أجيب عن ذلك أو أكثره هو الصواب فإن منها ما الجواب عنه غير منتهض كما سيأتي ولو لم يكن في ذلك إلا الأحاديث المعلقة التي لم تتصل في كتاب البخاري من وجه آخر ولا سيما إن كان في بعض الرجال الذين أبرزهم فيه من فيه مقال كما تقدم تفصيله، فقد قال ابن الصلاح إن حديث بهز بن حكيم المذكور وأمثاله ليس من شرطه قطعا، وكذا ما في مسلم من ذلك، إلا أن الجواب عما يتعلق بالمعلق سهل؛ لأن موضوع الكتابين إنما هو للمسندات والمعلق ليس بمسند ولهذا لم يتعرض الدارقطني فيما تتبعه على الصحيحين إلى الأحاديث المعلقة التي لم توصل في موضع آخر لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتاب، وإنما ذكرت استئناسا واستشهادا، والله أعلم، وقد ذكرنا الأسباب الحاملة للمصنف على تخريج ذلك التعليق، وأن مراده بذلك أن يكون الكتاب جامعا لأكثر الأحاديث التي يحتج بها، إلا أن منها ما هو على شرطه فساقه سياق أصل الكتاب، ومنها ما هو على غير شرطه فغاير السياق في إيراده ليمتاز فانتفى إيراد المعلقات وبقي الكلام فيما علل من الأحاديث المسندات، وعدة ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة أحاديث منها ما وافقه مسلم على تخريجه، وهو اثنان وثلاثون حديثا، ومنها ما انفرد بتخريجه، وهو ثمانية وسبعون حديثا، والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول لا ريب في تقديم البخاري، ثم مسلم على أهل عصرهما، ومن بعده