قد تقدم التنبيه على كثرتهم، وعن محمد بن أبي حاتم عنه، قال: كتبت عن ألف وثمانين نفسا، ليس فيهم إلا صاحب حديث، وقال أيضا: لم أكتب إلا عمن قال الإيمان قول وعمل، قلت: وينحصرون في خمس طبقات: (الطبقة الأولى): من حدثه عن التابعين مثل: محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد، ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد، ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا، ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبي خالد، ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش، ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان، ومثل علي بن عياش، وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين.
(الطبقة الثانية): من كان في عصر هؤلاء، لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس، وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وسعيد بن أبي مريم، وأيوب بن سليمان بن بلال، وأمثالهم.
(الطبقة الثالثة): هي الوسطى من مشايخه، وهم من لم يلق التابعين؛ بل أخذ عن كبار تبع الأتباع، كسليمان بن حرب، وقتيبة بن سعيد، ونعيم بن حماد، وعلي ابن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، وأمثال هؤلاء، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم.
(الطبقة الرابعة): رفقاؤه في الطلب، ومن سمع قبله قليلا، كمحمد بن يحيى الذهلي، وأبي حاتم الرازي، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وعبد بن حميد، وأحمد بن النضر، وجماعة من نظرائهم، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم.
(الطبقة الخامسة): قوم في عداد طلبته في السن والإسناد، سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الآملي، وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي، وحسين بن محمد القباني وغيرهم، وقد روى عنهم أشياء يسيرة، وعمل في الرواية عنهم مما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع، قال: لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه وعمن هو مثله، وعمن هو دونه، وعن البخاري أنه قال: لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله وعمن هو دونه.
ذكر
سيرته وشمائله وزهده وفضائله
قال ورَّاقه: سمعت محمد بن خراش يقول: سمعت أحيد بن حفص يقول: دخلت على إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال: لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة، قلت: وحكى وراقه أنه ورث من أبيه مالا جليلا، وكان يعطيه مضاربة، فقطع له غريم خمسة وعشرين ألفا فقيل له: استعن بكتاب الوالي فقال: إن أخذت منهم كتابا طمعوا، ولن أبيع ديني بدنياي، ثم صالح غريمه على أن يعطيه كل شهر عشرة دراهم، وذهب ذلك المال كله، وقال: سمعته يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه كنت آمر إنسانا فيشتري لي قيل له: ولم قال لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط، وقال غنجار في تاريخه: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر المقري، حدثنا أبو سعيد بكر بن منير، قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه أبو حفص، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية، وطلبوها منه بربح