خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون، فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم، وقال: إني نويت البارحة أن أدفعها إلى الأولين فدفعها إليهم، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي، وقال وراق البخاري: سمعته يقول: خرجت إلى آدم بن أبي إياس، فتأخرت نفقتي حتى جعلت أتناول حشيش الأرض، فما كان في اليوم الثالث أتاني رجل لا أعرفه، فأعطاني صرة فيها دنانير، قال: وسمعته يقول: كنت أستغل في كل شهر خمسمائة درهم فأنفقها في الطلب، وما عند الله خير وأبقى، وقال عبد الله بن محمد الصيارفي: كنت عند محمد بن إسماعيل في منزله، فجاءته جاريته وأرادت دخول المنزل، فعثرت على محبرة بين يديه، فقال لها: كيف تمشين؟ قالت: إذا لم يكن طريق كيف أمشي، فبسط يديه، وقال: اذهبي فقد أعتقتك، قيل له: يا أبا عبد الله، أغضبتك؟ قال: فقد أرضيت نفسي بما فعلت، وقال وراق البخاري: رأيته استلقى ونحن بفربر في تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في التخريج، فقلت له: إني سمعتك تقول: ما أتيت شيئا بغير علم فما الفائدة في الاستلقاء؟.
قال: أتعبت نفسي اليوم، وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة، فإن غافصنا العدو كان بنا حراك، قال: وكان يركب إلى الرمي كثيرا فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين؛ بل كان يصيب في كل ذلك ولا يسبق، قال: وركبنا يوما إلى الرمي ونحن بفربر، فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرضة، فجعلنا نرمي فأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة التي على النهر، فانشق الوتد، فلما رأى ذلك نزل عن دابته، فأخرج السهم من الوتد، وترك الرمي، وقال لنا: ارجعوا فرجعنا فقال لي: يا أبا جعفر، لي إليك حاجة وهو يتنفس الصعداء، فقلت: نعم، قال: تذهب إلى صاحب القنطرة فتقول: إنا أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله، أو تأخذ ثمنه، وتجعلنا في حل مما كان منا، وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر، فقال لي: أبلغ أبا عبد الله السلام، وقل له: أنت في حل مما كان منك فإن جميع ملكي لك الفداء، فأبلغته الرسالة فتهلل وجهه، وأظهر سرورا كثيرا، وقرأ ذلك اليوم للغرباء خمسمائة حديث، وتصدق بثلاثمائة درهم.
قال: وسمعته يقول لأبي معشر الضرير: اجعلني في حل يا أبا معشر، فقال: من أي شيء؟ فقال: رويت حديثا يوما، فنظرت إليك وقد أعجبت به وأنت تحرك رأسك ويديك، فتبسمت من ذلك، قال: أنت في حل يرحمك الله يا أبا عبد الله، قال: وسمعته يقول: دعوت ربي مرتين فاستجاب لي؛ يعني في الحال، فلن أحب أن أدعو بعد فلعله ينقص حسناتي.
قال: وسمعته يقول: لا يكون لي خصم في الآخرة، فقلت: إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ يقولون فيه اغتياب الناس، فقال: إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا، وقد قال النبي ﷺ بئس أخو العشيرة، قال: وسمعته يقول: ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام، قلت: وللبخاري في كلامه على الرجال توق زائدة، وتحر بليغ يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل، فإن أكثر ما يقول: سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه ونحو هذا، وقل أن يقول: كذاب أو وضاع، وإنما يقول: كذبه فلان، رماه فلان؛ يعني بالكذب، أخبرني أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي، أن أبا الفتح الشيباني أخبره، أخبرنا أبو اليمان الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا الخطيب أبو بكر بن ثابت، أخبرني أبو الوليد الدربندي، أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، سمعت بكر بن منير يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا، وبه إلى أبي بكر بن منير، قال: كان محمد بن إسماعيل البخاري ذات يوم يصلي، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته، قال: انظروا أي شيء هذا الذي آذاني في صلاتي؟ فنظروا، فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة