في حق مثل هذا الإمام مسلما؟ كلا والله، والله الموفق.
(الحديث الثاني): قال الدارقطني:، وأخرجا جميعا، يعني البخاري ومسلما، حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، يعني في قصة القبرين، وأن أحدهما كان لا يستبرئ من بوله قال، وقد خالفه منصور، فقال عن مجاهد عن ابن عباس، وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاطه طاوسا انتهى، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الطهارة عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير، وفي الأدب عن محمد بن سلام عن عبيدة بن حميد، كلاهما عن منصور به، ورواه من طريق أخرى من حديث الأعمش، وأخرجه باقي الأئمة الستة من حديث الأعمش أيضا، وأخرجه أبو داود أيضا، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه من حديث منصور أيضا، وقال الترمذي بعد أن أخرجه: رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وحديث الأعمش أصح، يعني المتضمن للزيادة. قلت: وهذا في التحقيق ليس بعلة؛ لأن مجاهدا لم يوصف بالتدليس وسماعه من ابن عباس صحيح في جملة من الأحاديث، ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضا من الحفاظ فالحديث كيفما دار دار على ثقة والإسناد كيفما دار كان متصلا، فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلسا، وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا، ولم يستوعب الدارقطني انتقاده والله الموفق.
(الحديث الثالث): قال الدارقطني فيما قرأت بخطه، وأخرج البخاري عن أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع أهله ولا يمني، فقال عثمان يتوضأ ويغسل ذكره، سمعته من رسول الله ﷺ قال: وسألت عن ذلك عليا، والزبير، وطلحة، وأبي بن كعب فأمروه بذلك قال يحيى بن أبي كثير وأخبرني أبو سلمة أيضا أن عروة أخبره أن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله ﷺ، قال الدارقطني ﵀: وهذا وهم، وهو قوله: إن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله ﷺ؛ لأن أبا أيوب لم يسمعه من رسول الله ﷺ، وإنما سمعه من أبي بن كعب، كذلك رواه هشام بن عروة عن أبيه، وقد أخرجه البخاري من حديث هشام على الصواب انتهى، وقد وافق البخاري مسلم على تخريجه على الوجهين، وقال الخطيب قوله: إن أبا أيوب سمع ذلك من النبي ﷺ خطأ، فإن جماعة من الحفاظ رووه عن هشام عن أبيه عن أبي أيوب عن أبي بن كعب.
قلت: وغاية ما في هذا أن أبا سلمة، وهشاما اختلفا فزاد هشام فيه ذكر أبي بن كعب، ولا يمنع ذلك أن يكون أبو أيوب سمعه من رسول الله ﷺ، وسمعه أيضا من أبي بن كعب عن النبي ﷺ، مع أن أبا سلمة أجل وأسن وأتقن من هشام، بل هو من أقران عروة والد هشام، فكيف يقضى لهشام عليه، بل الصواب أن الطريقين صحيحان، ويحتمل أن يكون اللفظ الذي سمعه أبو أيوب من أبي بن كعب غير اللفظ الذي سمعه من النبي ﷺ؛ لأن سياق حديث أبي بن كعب عند البخاري يقتضي أنه هو الذي سأل النبي ﷺ عن هذه المسألة، فتضمن زيادة فائدة، وحديث أبي أيوب عنده لم يسق لفظه، بل أحال به على حديث عثمان كما ترى وعلى تقدير أن يكون أبو أيوب في نفس الأمر لم يسمعه إلا من أبي بن كعب فهو مرسل صحابي، وقد اتفق المحدثون على أنه في حكم الموصول، وقد أخرج مسلم في صحيحه شبيها به، ولم يتعقبه الدارقطني، وهو حديث ابن عباس في قصة إرسال معاذ بن جبل إلى اليمن، فإن في بعض الروايات عن ابن عباس عن معاذ، وفي بعضها عن ابن عباس قال: أرسل النبي ﷺ معاذا، وتعقب القاضي أبو بكر بن العربي حديث زيد بن خالد وزعم أن فيه ثلاث علل، فقال: