القلم من عبد الرحمن إلى عبد الله، على أن يعقوب بن سفيان وافق البخاري على سياقه له، فرواه عن شيخه الذي أخرجه عنه في التاريخ، وهو إسحاق بن العلاء بن زريق، فلعل الوهم فيه منه، والله أعلم.
ثم ساق من حديث الزهري لمحمد بن يحيى الذهلي طرق حديث شعيب ومعمر وصالح كما قال البخاري، ثم ساق حديث الزبيدي، عن الزهري، أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أخبره، أن عمه عبيد الله بن كعب قال: أخبرني من شهد … فذكر الحديث، إلى قوله: قد صدق الله حديثك؛ قد انتحر فلان فقتل نفسه. قال الزهري: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله، وسعيد بن المسيب قالا: إن رسول الله ﷺ قال: يا بلال، قم فأذن، إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن … الحديث.
قال الذهلي: فمعمر وشعيب ساقا الحديث كله، وميزه الزبيدي. قال الجياني: لا تخالف بين هذه الطرق؛ لأن الحديث جميعه عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة كما أسنده معمر وشعيب، ولكن الزهري لما رواه للزبيدي عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب، ولم يكن أخبره عنه عبد الرحمن موصولا - بين ذلك، وقرنهما وأرسله عن ابن المسيب، ولكن رواية شعيب عن يونس غير محفوظة؛ حيث جعله كله موصولا عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وسعيد بن المسيب جميعا، عن أبي هريرة، فوهم، قاله الذهلي قال: ويدل على ذلك أن موسى بن عقبة، وابن أخي الزهري رويا عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب القصة الأخيرة مرسلة، لم يذكرا أبا هريرة.
قلت: فهذا يقوي أن في رواية شعيب ومعمر إدراجا أيضا في آخره، وحكى مسلم في التمييز أن الحلواني حدثهم بهذا الحديث عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب: أخبرني عبد الرحمن بن المسيب، أن النبي ﷺ قال: يا بلال، قم فأذن في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن … الحديث. قال الحلواني: قلنا ليعقوب: من عبد الرحمن بن المسيب؟ قال: كان لسعيد بن المسيب أخ يقال له عبد الرحمن، وكان رجل من بني كنانة يقال له عبد الرحمن بن المسيب أيضا، فأظن أن هذا هو الكناني. قال مسلم: وهذا الذي قاله يعقوب ليس بشيء، وإنما هذا إسناد سقطت منه لفظة واحدة وهي الواو، ففحش خطؤه، والصواب عن الزهري: أخبرني عبد الرحمن وابن المسيب؛ فعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن كعب بن مالك، وابن المسيب هو سعيد قال: وكذلك رواه موسى بن عقبة وابن أخي الزهري، عن الزهري والوهم فيه ممن دون صالح بن كيسان، انتهى.
فاستفدنا من هذا أن صالحا وافق موسى بن عقبة وابن أخي الزهري على إرساله، وكذا وافقهم يونس من رواية ابن المبارك عنه، وهو الصواب، والله أعلم.
ثم إن في الحديث موضعا آخر يتعلق بوهم في المتن، وهو قوله عن أبي هريرة: شهدنا خيبر، وسيأتي شرحه في الحديث الذي بعد هذا، وقد صرح بالوهم فيه موسى بن هارون وغيره؛ لأن أبا هريرة لم يشهدها، وإنما حضر عقب الفتح، والجواب عن ذلك أن المراد من الحديث أصل القصة، وقوله: شهدنا فيه مجاز؛ لأنه شهد قسم النبي ﷺ لغنائم خيبر بها بلا خلاف، والله أعلم.
ووقع في رواية شبيب بن سعد، عن يونس التي تقدمت في هذا الموضع: شهدنا حنينا، وهو شذوذ منه، والصواب ما في رواية الجماعة.
الحديث السادس والستون.
قال الدارقطني فيما تتبعه على كتاب مسلم، أخرج عن قتيبة، عن الدراوردي، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة قال: خرجنا مع النبي ﷺ إلى خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا. فذكر الحديث في قصة مدعم، وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث مالك، عن ثور به، وهو وهم. قال أبو مسعود: