للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر

مناسبة الترتيب المذكور بالأبواب المذكورة ملخصا من كلام شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص عمر البلقيني، تغمده الله برحمته

قال : بدأ البخاري بقوله كيف بدء الوحي؟ ولم يقل: كتاب بدء الوحي؛ لأن بدء الوحي من بعض ما يشتمل عليه الوحي، قلت: ويظهر لي أنه إنما عرّاه من باب؛ لأن كل باب يأتي بعده ينقسم منه فهو أم الأبواب، فلا يكون قسيما لها، قال وقدمه؛ لأنه منبع الخيرات، وبه قامت الشرائع، وجاءت الرسالات، ومنه عرف الإيمان والعلوم، وكان أوله إلى النبي بما يقتضي الإيمان من القراءة والربوبية وخلق الإنسان، فذكر بعد كتاب الإيمان والعلوم، وكان الإيمان أشرف العلوم، فعقبه بكتاب العلم، وبعد العلم يكون العمل، وأفضل الأعمال البدنية الصلاة، ولا يتوصل إليها إلا بالطهارة، فقال: كتاب الطهارة، فذكر أنواعها وأجناسها، وما يصنع من لم يجد ماء ولا ترابا إلى غير ذلك مما يشترك فيه الرجال والنساء، وما تنفرد به النساء، ثم كتاب الصلاة وأنواعها، ثم كتاب الزكاة على ترتيب ما جاء في حديث: بني الإسلام على خمس.

واختلفت النسخ في الصوم والحج أيهما قبل الآخر، وكذا اختلفت الرواية في الأحاديث، وترجم عن الحج بكتاب المناسك؛ ليعم الحج والعمرة وما يتعلق بهما، وكان في الغالب من يحج يجتاز بالمدينة الشريفة، فذكر ما يتعلق بزيارة النبي وما يتعلق بحرم المدينة.

قلت: ظهر لي أن يقال في تعقيبه الزكاة بالحج أن الأعمال لما كانت بدنية محضة، ومالية محضة، وبدنية مالية معا رتبها كذلك، فذكر الصلاة ثم الزكاة ثم الحج، ولما كان الصيام هو الركن الخامس المذكور في حديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس، عقب بذكره، وإنما أخره؛ لأنه من التروك، والترك وإن كان عملا أيضا لكنه عمل النفس لا عمل الجسد، فلهذا أخره، وإلا لو كان اعتمد على الترتيب الذي في حديث ابن عمر لقدم الصيام على الحج؛ لأن ابن عمر أنكر على من روى عنه الحديث بتقديم الحج على الصيام، وهو وإن كان ورد عن ابن عمر من طريق أخرى كذلك، فذاك محمول على أن الراوي روى عنه بالمعنى، ولم يبلغه نهيه عن ذلك والله أعلم.

وهذه التراجم كلها معاملة العبد مع الخالق، وبعدها معاملة العبد مع الخلق، فقال: كتاب البيوع، وذكر تراجم بيوع الأعيان، ثم بيع دين على وجه مخصوص وهو السلم، وكان البيع يقع قهريا، فذكر الشفعة التي هي بيع قهري، ولما تم الكلام على بيوع العين والدين الاختياري والقهري، وكان ذلك قد يقع فيه غبن من أحد الجانبين، إما في ابتداء العقد أو في مجلس العقد، وكان في البيوع ما يقع على دينين لا يجب فيهما قبض في المجلس، ولا تعيين أحدهما وهو الحوالة فذكرها، وكانت الحوالة فيها: انتقال الدين من ذمة إلى ذمة، أردفها بما يقتضي ضم ذمة إلى ذمة، أو ضم شيء يحفظ به العلقة، وهو الكفالة والضمان، وكان الضمان شرع للحفظ، فذكر الوكالة التي هي حفظ للمال، وكانت الوكالة فيها توكل على آدمي؛ فأردفها بما فيه التوكل على الله، فقال: كتاب الحرث والمزارعة، وذكر فيها متعلقات الأرض والموات والغرس والشرب وتوابع ذلك.

وكان في كثير من ذلك يقع الارتفاق، فعقبه بكتاب الاستقراض؛ لما فيه من الفضل والإرفاق، ثم ذكر العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه؛ للإعلام بمعاملة الأرقاء، فلما تمت المعاملات كان لا بد أن يقع فيها من منازعات، فذكر الأشخاص والملازمة والالتقاط، وكان الالتقاط وضع اليد بالأمانة الشرعية، فذكر بعده وضع اليد تعديا وهو الظلم والغضب، وعقبه بما قد يظن فيه غصب ظاهر وهو حق شرعي، فذكر

<<  <   >  >>