وضع الخشب في جدار الجار، وصب الخمر في الطريق، والجلوس في الأفنية والآبار في الطريق، وذكر في ذلك الحقوق المشتركة، وقد يقع في الاشتراك نهي، فترجم النهي بغير إذن صاحبه.
ثم ذكر بعد الحقوق المشتركة العامة الاشتراك الخاص، فذكر كتاب الشركة وتفاريعها، ولما أن كانت هذه المعاملات في مصالح الخلق ذكر شيئا يتعلق بمصالح المعاملة، وهي الرهن، وكان الرهن يحتاج إلى فك رقبة، وهو جائز من جهة المرتهن لازم من جهة الراهن، أردفه بالعتق الذي هو فك الرقبة، والملك الذي يترتب عليه جائز من جهة السيد، لا من جهة العبد، فذكر متعلقات العتق من التدبير والولاء وأم الولد الإحسان إلى الرقيق وأحكامهم ومكاتباتهم، ولما كانت الكتابة تستدعي إيتاء لقوله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ فأردفه بكتاب الهبة، وذكر معها العمرى والرقبى، ولما كانت الهبة نقل ملك الرقبة بلا عوض أردفه بنقل المنفعة بلا عوض وهو العارية المنيحة، ولما تمت المعاملات، وانتقال الملك على الوجوه السابقة، وكان ذلك قد يقع فيه تنازع فيحتاج إلى الإشهاد فأردفه بكتاب الشهادات، ولما كانت البينات قد يقع فيها تعارض ترجم القرعة في المشكلات، وكان ذلك التعارض قد يقتضي صلحا، وقد يقع بلا تعارض، ترجم كتاب الصلح، ولما كان الصلح قد يقع فيه الشرط عقبه بالشروط في المعاملات.
ولما كانت الشروط قد تكون في الحياة وبعد الوفاة ترجم كتاب الوصية، والوقف، فلما انتهى ما يتعلق بالمعاملات مع الخالق، ثم ما يتعلق بالمعاملات مع الخلق أردفها بمعاملة جامعة بين معاملة الخالق، وفيها نوع اكتساب، فترجم كتاب الجهاد؛ إذ به يحصل إعلاء كلمة الله تعالى، وإذلال الكفار بقتلهم واسترقاقهم نسائهم وصبيانهم وعبيدهم، وغنيمة أموالهم: العقار والمنقول والتخيير في كامليهم، وبدأ بفضل الجهاد.
ثم ذكر ما يقتضي أن المجاهد ينبغي أن يعد نفسه في القتلى، فترجم باب التحنط عند القتال، وقريب منه من ذهب ليأتي بخبر العدو وهو الطليعة، وكان الطليعة يحتاج إلى ركوب الخيل، ثم ذكر من الحيوان ما له خصوصية، وهو بغلة النبي ﷺ وناقته، وكان الجهاد في الغالب للرجال، وقد يكون النساء معهم تبعا، فترجم أحوال النساء في الجهاد، وذكر باقي ما يتعلق بالجهاد، ومنها آلات الحرب وهيئتها، والدعاء قبل القتال، وكل ذلك من آثار بعثته العامة، فترجم دعاء النبي ﷺ الناس إلى الإسلام، وكان عزم الإمام على الناس في الجهاد إنما هو بحسب الطاقة، فترجم عزم الإمام على الناس فيما يطيقون، وتوابع ذلك، وكانت الاستعانة في الجهاد تكون بجعل أو بغير جعل، فترجم الجعائل.
وكان الإمام ينبغي أن يكون إمام القوم فترجم المبادرة عند الفزع، وكانت المبادرة لا تمنع من التوكل، ولا سيما في حق من نصر بالرعب، فذكره وذكر مبادرته على أن تعاطي الأسباب لا يقدح في التوكل، فترجم حمل الزاد في الغزو، ثم ذكر آداب السفر، وكان القادمون من الجهاد قد تكون معهم الغنيمة، فترجم فرض الخمس، وكان ما يؤخذ من الكفارة تارة يكون بالحرب، ومرة بالمصالحة، فذكر كتاب الجزية، وأحوال أهل الذمة، ثم ذكر تراجم تتعلق بالموادعة، والعهد والحذر من الغدر، ولما تمت المعاملات الثلاث، وكلها من الوحي المترجم عليه بدء الوحي، فذكر بعد هذه المعاملات بدء الخلق، قلت: ويظهر إلى أنه إنما ذكر بدء الخلق عقب كتاب الجهد؛ لما أن الجهاد يشتمل على إزهاق النفس، فأراد أن يذكر أن هذه المخلوقات محدثات، وأن مآلها إلى الفناء، وأنه لا خلود لأحد انتهى.
ومن مناسبته ذكر الجنة والنار اللتين مآل الخلق إليهما، وناسب ذكر إبليس وجنوده عقب صفة النار؛ لأنهم أهلها، ثم ذكر الجن، ولما كان خلق الدواب قبل خلق آدم عقبة بخلق آدم، وترجم الأنبياء نبيا نبيا على الترتيب الذي نعتقده، وذكر فيهم ذا القرنين؛ لأنه عنده نبي، وأنه قبل إبراهيم، ولهذا ترجمه بعد ترجمة إبراهيم، وذكر ترجمة أيوب بعد يوسف لما بينهما من مناسبة الابتلاء وذكر قوله: