أخرج البخاري في أواخر الكتاب حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس في الإسراء بطوله، وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس في إسناده ومتنه، أما الإسناد فإن قتادة يجعله: عن أنس، عن مالك بن صعصعة. والزهري يجعله: عن أنس، عن أبي ذر. وثابت يجعله عن أنس من غير واسطة، لكن سياق ثابت لا مخالفة بينه وبين سياق قتادة والزهري، وسياق شريك يخالفهم في التقديم والتأخير والزيادة المنكرة، وقد أخرج مسلم إسناده فقط تلو حديث ثابت، وقال في آخره فزاد ونقص، وقدم وأخر، وتكلم ابن حزم والقاضي عياض وغيرهما على حديث شريك وانتصر له جماعة منهم أبو الفضل بن طاهر، فصنف فيه جزءًا، وسنذكر ما يتعلق به مستوفى عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى في موضعه.
هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد المطلعون على خفايا الطرق، وليست كلها من أفراد البخاري، بل شاركه مسلم في كثير منها كما تراه واضحا ومرقوما عليه رقم مسلم وهو صورة (م) وعدة ذلك اثنان وثلاثون حديثا، فأفراده منها ثمانية وسبعون فقط، وليست كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع، وبعضها الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف، كما شرحته مجملا في أول الفصل وأوضحته مبينا أثر كل حديث منها، فإذا تأمل المصنف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه، وجل تصنيفه في عينه، وعذر الأئمة من أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم، وليسا سواء من يدفع بالصدر فلا يأمن دعوى العصبية، ومن يدفع بيد الإنصاف على القواعد المرضية والضوابط المرعية، فلله الحمد الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والله المستعان، وعليه التكلان.
وأما سياق الأحاديث التي لم يتتبعها الدارقطني وهي على شرطه في تتبعه من هذا الكتاب، فقد أوردتها في أماكنها من الشرح لتكمل الفائدة، مع التنبيه على مواقع الأجوبة المستقيمة كما تقدم؛ لئلا يستدركها من لا يفهم، وإنما اقتصرت على ما ذكرته، عن الدارقطني، عن الاستيعاب، فإني أردت أن يكون عنوانا لغيره؛ لأنه الإمام المقدم في هذا الفن، وكتابه في هذا النوع أوسع وأوعب، وقد ذكرت في أثناء ما ذكره عن غيره قليلا على سبيل الأمثلة، والله أعلم.