كان الاستغفار سببا لهدم الذنوب، قال باب التوبة، ثم ذكر الأذكار الموقتة وغيرها والاستعاذة.
ولما كان الذكر والدعاء سببا للاتعاظ ذكر المواعظ والزهد، وكثيرا من أحوال يوم القيامة، ثم ذكر ما يبين أن الأمور كلها بتصريف الله تعالى، فقال كتاب القدر وذكر أحواله، ولما كان القدر قد تحال عليه الأشياء المنذورة، قال كتاب النذور، كان النذر فيه كفارة، فأضاف إليه الأيمان، وكانت الأيمان والنذور تحتاج إلى الكفارة، فقال كتاب الكفارة، ولما تمت أحوال الناس في الحياة الدنيا ذكر أحوالهم بعد الموت، فقال كتاب الفرائض، فذكر أحكامه، ولما تمت الأحوال بغير جناية ذكر الجنايات الواقعة بين الناس، فقال كتاب الحدود، وذكر في آخره أحوال المرتدين، ولما كان المرتد قد لا يكفر إذا كان مكرها، قال كتاب الإكراه وكان المكره قد يضمر في نفسه حيلة دافعة، فذكر الحيل وما يحل منها وما يحرم، ولما كانت الحيل فيها ارتكاب ما يخفى أردف ذلك بتعبير الرؤيا؛ لأنها مما يخفى وإن ظهر للمعبر، وقال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾
فأعقب ذلك بقوله كتاب الفتن، وكان من الفتن ما يرجع فيه إلى الحكام، فهم الذين يسعون في تسكين الفتنة غالبا، فقال كتاب الأحكام، وذكر أحوال الأمراء والقضاة، ولما كانت الإمامة والحكم قد يتمناها قوم أردف ذلك بكتاب التمني، ولما كان مدار حكم الحكام في الغالب على أخبار الآحاد، قال ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، ولما كانت الأحكام كلها تحتاج إلى الكتاب والسنة، قال الاعتصام بالكتاب والسنة، وذكر أحكام الاستنباط من الكتاب والسنة، والاجتهاد، وكراهية الاختلاف، وكان أصل العصمة أولا وآخرا هو توحيد الله، فختم بكتاب التوحيد، وكان آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها، فجعله آخر تراجم كتابه، فقال: باب قول الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ وأن أعمال بني آدم توزن فبدأ بحديث: إنما الأعمال بالنيات، وختم بأن أعمال بني آدم توزن، وأشار بذلك إلى أنه إنما يتقبل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالى، وهو حديث: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
فقوله: كلمتان فيه ترغيب وتخفيف، وقوله: حبيبتان فيه حث على ذكرهما لمحبة الرحمن إياهما، وقوله: خفيفتان فيه حث بالنسبة إلى ما يتعلق بالعمل، وقوله: ثقيلتان فيه إظهار ثوابهما، وجاء الترتيب بهذا الحديث على أسلوب عظيم، وهو أن حب الرب سابق، وذكر العبد وخفة الذكر على لسانه تال، وبعد ذلك ثواب هاتين الكلمتين إلى يوم القيامة، وهاتان الكلمتان معناهما جاء في ختام دعاء أهل الجنة لقوله تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
انتهى كلام الشيخ ملخصا، ولقد أبدى فيه لطائف وعجائب جزاه الله خيرا بمنه وكرمه.