ما أمر به، ونهى عنه من كتابه وعلى لسان نبيه، إذا قرأ محمد القرآن شغل قلبه وبصره وسمعه وتفكر في أمثاله، وعرف حلاله من حرامه.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور: كان محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه في العلم، وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها، فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم، وقال أبو سهل أيضا: سمعت أكثر من ثلاثين عالما من علماء مصر يقولون: حاجتنا في الدنيا النظر إلى محمد بن إسماعيل، وقال صالح بن محمد جزرة: ما رأيت خراسانيا أفهم من محمد بن إسماعيل، وقال أيضا: كان أحفظهم للحديث، قال: وكنت أستملي له ببغداد، فبلغ من حضر المجلس عشرين ألفا، وسئل الحافظ أبو العباس الفضل بن العباس المعروف بفضلك الرازي، أيما أحفظ محمد بن إسماعيل أو أبو زرعة؟ فقال: لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد، قال: فرجعت معه مرحلة، وجبدت كل الجهد على أن آتي بحديث لا يعرفه، فما أمكنني، وها أنا ذا أغرب على أبي زرعة عدد شعر رأسه، وقال محمد بن عبد الرحمن الدغولي: كتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل البخاري كتابا فيه:
المسلمون بخير ما بقيت لهم … وليس بعدك خير حين تفتقد
وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل، وقال أبو عيسى الترمذي: لم أر أعلم بالعلل والأسانيد من محمد بن إسماعيل البخاري، وقال له مسلم: أشهد أنه ليس في الدنيا مثلك، وقال أحمد بن سيار في تاريخ مر: ومحمد بن إسماعيل البخاري طلب العلم، وجالس الناس، ورحل في الحديث ومهر فيه وأبصر، وكان حسن المعرفة حسن الحفظ وكان يتفقه.
وقال أبو أحمد بن عدي: كان يحيى بن محمد بن صاعد إذا ذكر البخاري قال: ذاك الكبش النطاح، وقال أبو عمرو الخفاف: حدثنا التقي النقي العالم الذي لم أر مثله محمد بن إسماعيل، قال وهو أعلم بالحديث من أحمد وإسحاق وغيرهما بعشرين درجة، ومن قال فيه شيئا فعليه مني ألف لعنة، وقال أيضا: لو دخل من هذا الباب وأنا أحدث لملئت منه رعبا، وقال عبد الله بن حماد الأيلي: لوددت أني كنت شعرة في جسد محمد بن إسماعيل، وقال سليم ابن مجاهد: ما رأيت منذ ستين سنة أحدا أفقه ولا أورع من محمد بن إسماعيل، وقال موسى بن هارون الحمال الحافظ البغدادي عندي: لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه، وقال عبد الله بن محمد بن سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بمصر يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح، ثم قال عبد الله وأنا أقول قولهم، وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ محمد بن إسماعيل.
وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى: كان أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه، ولو قلت: إني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في الحسن والمبالغة لفعلت، ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفني القرطاس، ونفدت الأنفاس، فذاك بحر لا ساحل له، وإنما ذكرت كلام ابن عقدة وأبي أحمد عنوانا لذلك، وبعد ما تقدم من ثناء كبار مشايخه عليه لا يحتاج إلى حكاية من تأخر؛ لأن أولئك إنما أثنوا بما شاهدوا، ووصفوا ما علموا بخلاف من بعدهم، فإن ثناءهم ووصفهم مبني على الاعتماد على ما نقل إليهم، وبين المقامين فرق ظاهر، وليس العيان كالخبر.