للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن قتيبة: "وإنما أمرهم بالتحول منها لأنَّهم كانوا مقيمين فيها على استثقال لظلها واستيحاش بما نالهم فيها، فأمرهم بالتحول، وقد جعل الله في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم السوء فيه وإن كان لا سبب له فِى ذلك، وحب من جرى على يده الخير لهم وإن لم يردهم به، وبغض من جرى على يده الشر لهم وإن لم يردهم به" (١٠).

وهذا التفصيل هو معنى كلام الخطابي وابن رجب وابن القيم عليهم رحمة الله، وقد سبق ذكر كلامهم وقد يدل عليه كلام مالك رحمه الله.

[مناقشة الأقوال المرجوحة]

[أولًا: مناقشة مذهب الجمع]

- أما المسلك الأول: وهو تخصيص أحاديث نفي الطيرة بحديث "الشؤم فى ثلاث" فإنه يُشكل عليه: أن أهل الجاهلية يعتقدون أنَّها مؤثرة بذاتِها وأن تأثيرها واقع لا مَحالة فمن قال بالتخصيص يلزمه إباحة هذا الاعتقاد في هذه الثلاث وهذا خطأ بيِّن، ولذلك قال القرطبي تعليقًا على هذا القول: "ولا يُظن بِمن قال هذا القول أن الذي رُخص فيه من الطيرة بِهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها، وتفعل عندها، فإنَّها كانت لا تقدم على ما تطيرت به ولا تفعله بوجه بناءً على أن الطيرة تضر قطعًا فإن هذا خطأ، وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بِها لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شىء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره" (١١).


(١٠) تأويل مختلف الحديث (٩٩)، وانظر: شرح السنة للبغوي (١٢/ ١٧٩)، ومفتاح دار السعادة (٣/ ٣٤٤)، ومعالم السنن (٤/ ٢١٩).
(١١) المفهم (٥/ ٦٢٩).

<<  <   >  >>