للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله بما لم يقل" (٩).

وقال أبو عبد الله القرطبي: "مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد، وإنَّما يؤخذ توقيفًا، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده، وإلَّا فتكون الآية عامّة في جميع الأشياء وهو الأظهر واللهُ أعلم" (١٠).

وأمَّا ما أجابوا به عن قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} بأن المراد بالمعمر طويل العمر، والمراد بالناقص قصير العمر، فقد ردَّه الشوكاني فقال: "في هذا نظر لأنَّ الضَّمير في قوله: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} يعود إلى قوله: {مِنْ مُعَمَّرٍ} والمعنى على هذا: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمر ذلك المعمر إلَّا في كتاب، هذا ظاهر النظم القرآني، وأمَّا التَّأويل المذكور فإنَّما يتم على إرجاع الضَّمير المذكور إلى غير ما هو المرجع في الآية، وذلك لا وجود له في النظم" (١١).

[إشكال وجوابه]

قد يستشكل بعض النَّاس صرف النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأم حبيبة عن الدعاء بطول الأجل وحضِّه لها على التعوذ من عذاب القبر مع أن كلًّا منهما مقدر؟ !

والجواب عن هذا الإشكال: هو أنَّه لا شكَّ أن الجميع مفروغ منه مقدر، لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة والعبادة قال فيها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -لما قيل له: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ - قال: "اعملوا فكل ميسر، أمَّا أهل السعادة فيُيسرون لعمل أهل السعادة، وأمَّا أهل الشقاوة


(٩) تنبيه الأفاضل (١٦) وانظر إرشاد ذوي العرفان (٦٣).
(١٠) تفسير القرطبي (٩/ ٣٢٩).
(١١) تنبيه الأفاضل (١٧).

<<  <   >  >>