للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيُيسرون لعمل أهل الشقاوة" (١٢).

وليس معنى كونه عبادة: أنه لا تأثير للدعاء وإنما هو مجرد عبادة محضة يُثاب عليها الداعي فقط. بل المقصود أن الدعاء بالنجاة من النار ونحوه عبادة مشروعة ولذلك فإن له تأثيرًا في حصول المطلوب لأن الله تعالى جعله سببًا في حصول المقدور فالله تعالى قدَّر السبب وقدَّر المسبب، وقدَّر أن المسبب لا يحصل بدون السبب كما في الحديث السابق فإنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بالعمل مع أن الشقاوة والسعادة قد قدرتا وذلك لأنَّهما قدرتا بالسبب والذي هو العمل، وكما أن الله تعالى قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر، قدر أيضًا حصول المطلوب بالدعاء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الله جعل الدعاء والسؤال من الأسباب التي يُنال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه، وإذا قدر للعبد خيرًا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره الله بأسباب يسوق المقادير إلى المواقيت، فليس في الدنيا والآخرة شىء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات" (١٣).

وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة ولذلك فإنه لا يشرع لأنه من التعدي في الدعاء، وقد أثر عن الإمام أحمد أنه كان يكره أن يُدعى له بطول الأجل ويقول: "هذا أمر قد فرغ منه".

ومما يؤيد هذا الجواب أن الدعاء بطول العمر إذا تضمن النفع الأخروي فإنه مشروع كما جاء ذلك عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عمار بن ياسر أنه كان يدعو


(١٢) متفق عليه من حديث علي بن أبي طالب: البخاري (١/ ٤٥٨) ح (١٢٩٦) ومسلم واللفظ له (١٦/ ٤٣٤) ح (٢٦٤٧).
(١٣) مجموع الفتاوى (٨/ ٦٩ - ٧٠).

<<  <   >  >>