للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناقشة الأقوال المرجوحة]

أولًا: مناقشة مسالك الجمع:

أما المسلك الأول: وهو حمل الفرار من المجذوم على رعاية خاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح البدن السليم من الآفة تعظم مصيبته وتزداد حسرته، فإنه لا يخفى ما فيه من الضعف لأن الأمر بالفرار ظاهر في تنفير الصحيح من القرب من المجذوم. فهو ينظر فيه لمصلحة الصحيح أولًا. مع قوة التشبيه بالفرار من الأسد لأنه لا يفر الإنسان من الأسد رعاية لخاطر الأسد أيضًا (٨).

وأما كون المجذوم تعظم مصيبته وتزداد حسرته إذا رأى السليم البدن فإن هذا حاصل بصورة أظهر في فرار الناس منه وبعدهم عنه لئلا يحل بهم ما حل به والله أعلم.

وأما المسلك الثاني: وهو ما ذهب إليه ابن قتيبة والخطابي فيمكن الإيراد عليه بأن يقال إن الأمر الطبيعي الذي هو انتقال الداء من جسد إلى جسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة هو بعينه العدوى، فلا معنى لنفى وقوعها حينئذٍ والله أعلم.

وقد نص ابن القيم وغيره على أن الرائحة أحد أسباب العدوى (٩).

وأما المسلك الثالث: وهو حمل قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا عدوى" على أنه نَهي لا نفى، فيشكل عليه قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر الحديث: "فمن أعدى الأول؟ " فإن هذا الحديث قد فهم منه الأعرابي النفي ولهذا استشكل نفيه وأورد ما أورده


(٨) انظر الباعث الحثيث، لأحمد شاكر، ص (١٧٠).
(٩) انظر زاد المعاد (٤/ ١٤٩) وانظر كتاب: الطب من الكتاب والسنة، لموفق الدين عبد اللطيف البغدادى، ص (٢٠٠) فقد نص مولفه على أن الرائحة من أسباب العدوى.

<<  <   >  >>