للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث الترجيح]

أجمع أهل العلم على أن من أسلم باطنًا وظاهرًا غفر له الكفر الذي تاب منه بالإسلام (١) كما أجمعوا على أن من أسلم وحسن إسلامه وذلك بأن يلتزم بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه فإنه بهذا الإسلام تغفر له ذنوبه كلها (٢).

وأجمعوا أيضًا على أنه من أسلم ظاهرًا وأبطن الكفر والنفاق فإنه لا يغفر له شيء من ذنوبه بإظهاره الإسلام لأنه منافق كافر (٣).

ويبقى الخلاف حينئذ فيمن أسلم إسلامًا صادقًا ولكنَّه بقي مصرًّا على بعض المعاصي التى كان يعملها في الجاهلية، فهل يُحاسب على إساءته هذه في حال إسلامه فقط، أم أنه يُحاسب على إساءته في حال كفره وإسلامه؟

في هذا اختلف أهل العلم كما تقدم.

أما المسلك الأول والثاني فلم يظهر لي رجحان أحدهما على الآخر.

وأما ما ذهب إليه الخطابي من حمل المؤاخذة في الجاهلية على التبكيت والتعيير فبعيد جدًّا لأن الحديث صريح بالمؤاخذة، وإن كان هذا القول -في حقيقته- يئول إلى المسلك الأول لأن مفاده عدم المؤاخذة بالإساءة في حال الكفر استنادًا إلى أن الإسلام يهدم ما كان قبله.

والحاصل أنه بالأخذ بالمسلك الأول أو الثاني يندفع الإشكال ويزول ما قد يتوهم من التعارض بين الحديثين والله تعالى أعلم.


(١) انظر مجموع الفتاوى (١١/ ٧٠١).
(٢) وعلى هذا الإجماع والذي قبله يحمل الإجماع الذي نقله أصحاب المسلك الأول، أو يقال إنه مدفوع بمخالفة أصحاب القول الثاني كما ذهب إلى هذا ابن حجر في الفتح (١٢/ ٢٦٦، ٢٦٧).
(٣) انظر مسلم بشرح النووى (٢/ ٤٩٥).

<<  <   >  >>