للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث الترجيح]

الذي يظهر -والله تعالى أعلم- هو القول بمذهب الجمع إذ ليس فيما أثبته ابن مسعود مما أصاب قريشًا من الجهد والجوع حتي أصبح أحدهم إذا نظر إلى السماء يرى كهيئة الدخان ليس فيه ما يخالف حديثي حذيفة وأبي هريرة رضى الله عنهما والذي فيهما أن الدخان من علامات الساعة وأنه لم يأت بعد، لا سيما وأن أبا هريرة أحد الرواة وهو لم يُسلم إلا في السنة السابعة بينما ما حدث لقريش كما في رواية ابن مسعود كان قبل وقعة بدر.

وعلى هذا نقول: إنَّهما دخانان:

أحدهما: ما أصاب قريش من الجهد والجوع عندما دعا عليهم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتي أصبح الواحد منهم ينظر إلى السماء فيرى كهيئة الدخان، وهذا الدخان قد مضى وانتهى كما قال ابن مسعود رضى الله عنه.

والثاني: دخان يكون قرب قيام الساعة وهو من علاماتِها وأماراتِها كما في حديث حذيفة وأبي هريرة رضى الله عنهما.

وقد ذكر القرطبي في التذكرة أنه رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّهما دخانان فقال: "قال مجاهد: كان ابن مسعود يقول: هما دخانان قد مضى أحدهما، والذي بقى يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن منه إلا كالزكمة، وأما الكافر فتثقب مسامعه" (١) فإن ثبت هذا عن ابن مسعود فهو قاطع في المسألة.


(١) التذكرة (٢/ ٥١٦).

<<  <   >  >>