للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرتين، وأهل البصرة أربع مرات، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصى كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثى خراسان" (١٢).

[٤ - ذكاءه وحفظه]

لقد رُزق البخاري رحمه الله تعالى حافظة قوية وذكاءً حادًّا وذهنًا متوقدًا واطلاعًا واسعًا.

رُوي عنه أنه قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (١٣) " (١٤).

وليس أدل على قوة حافظة البخاري وتوقّد ذهنه من تلك الحادثة التي حدثت له ببغداد.

وذلك أنه لما قدم بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونَها وأسانيدها، فجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة رجال، كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك إلى البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه فما زال يلقي عليه واحدًا


(١٢) سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٠٧) وانظر: هدى الساري (٤٧٨).
(١٣) تاريخ بغداد (٢/ ٢٥) وانظر تَهذيب الكمال (٢٤/ ٤٦١).
(١٤) ليس المراد بهذه الألوف الكثيرة أَنَّها كلها أحاديث متغايرة كما يظن البعض -فيُشكل عليه تصديق ذلك- وإنما هى طرق متعددة للأحاديث، وقد يُروى الحديث الواحد بعشرات الأسانيد فتعتبر هذه الأسانيد بمثابة الأحاديث وما هى في الواقع إلا طرقًا لحديث واحد، وأيضًا فإنه يدخل في هذه الألوف أثار الصحابة والتابعين وغيرهم. انظر: مقدمة ابن الصلاح (٢٣) فتح المغيث للسخاوى (١/ ٤٦ - ٤٧) التعريف بكتب الحديث الستة للشيخ محمد محمد أبو شهبة (٣٧).

<<  <   >  >>