القول الأول: أن المراد بالفطرة الإسلام كما تقدم. القول الثانى: أن المراد بالفطرة: الخلقة التي خلق عليها المولود من المعرفة بربه فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه -إذا بلغ مبلغ المعرفة- يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التى لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك. القول الثالث: أن معنى الفطرة: البدأة التي ابتدأهم عليها، أي على ما فطر الله عليه خلقه، من أنَّهم ابتدأهم للحياة والموت والشفاء والسعادة وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من ميولهم عن آبائهم واعتقادهم، وذلك ما فطرهم الله عليه مما لابُدَّ من مصيرهم إليه. القول الرابع: أن معنى الفطرة: أن الله قد فطرهم على الإنكار والمعرفة وعلى الكفر والإيمان فأخذ من ذرية آدم الميثاق حين خلقهم فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قالوا جميعًا: بلى، فأما أهل السعادة فقالوا: بلى طوعًا من قلوبهم وأما أهل الشقاوة فقالوا بلى كرهًا لا طوعًا. القول الخامس: أن المراد بالفطرة: ما أخذه الله من ذرية آدم من الميثاق قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخراج ذرية آدم من ظهره فخاطبهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فأقروا جميعًا له بالربوبية عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين مطبوعين على تلك المعرفة وذلك بالإقرار. وهذا القول لا يختلف كثيرًا عن القول بأن المراد بها الإسلام. القول السادس: أن المراد بالفطرة هى ما يُقلب الله قلوب الخلق إليه مما يريد ويشاء، فقد يكفر العبد ثم يؤمن فيموت مؤمنًا، وقد يحدث العكس، وذلك كله تقدير الله وفطرته لهم. انظر هذه الأقوال ومناقشتها: التمهيد لابن عبد البر (١٨/ ٦٨ - ٩٥) درء التعارض (٨/ ٣٦٧) وما بعدها، شفاء العليل (٢/ ٢٩٧) وما بعدها، طرح التثريب (٧/ ٢٢٥ - ٢٢٩) فتح البارى (٣/ ٢٤٨ - ٢٤٩) فطرية المعرفة للدكتور أحمد بن سعد الحمدان. تنبيه: قال ابن القيم رحمه الله: سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه، فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام، ولا حاجة لذلك لأن الآثار المنقولة عن السلف تدل على أنَّهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإسلام، ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية لأن قوله: "فأبواه يهودانه .. إلخ" محمول على أن ذلك بتقدير الله تعالى، ومن ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث "الله أعلم بما كانوا عاملين" فتح البارى (٣/ ٢٥٠) وانظر شفاء العليل (٢/ ٣٠٦) درء التعارض (٨/ ٤١٧).