للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث بيان أن التعارض بين النصوص الصحيحة إنما هو في نظر المجتهد وأما في الحقيقة فليس ثمة تعارض]

ذهب جمهور أهل العلم من الأصوليين والمحدثين والفقهاء (١): إلى عدم وقوع التعارض الحقيقي بين النصوص الصحيحة، وأن التعارض الذي يمكن أن يوجد بينها إنما هو في ظاهر الأمر وفي نظر المجتهد وأما في واقع الأمر وحقيقته فليس ثمة تعارض.

وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه إذ أن التعارض في نفس الأمر وحقيقته -وذلك بأن يصدر عن الشارع دليلان متعارضان يقتضى أحدهما نقيض ما يقتضيه الآخر، ولا يكون بينهما تناسخ ولا يجمعهما جامع أو يؤلف بينهما رابط- لا يكون بحال، بل هو سفه وتيه يتنَزَّه عنه الرجل العاقل فضلًا عن الشارع الحكيم (٢)، وإليك أقوال بعض أهل العلم في هذا الصدد:

قال الإمام الشافعي: "لا يصح عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبدًا حديثان صحيحان متضادان ينفى أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ وإن لم يجده" (٣).

وقال الإمام ابن خزيمة: "لا أعرف أنه رُوي عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثان بإسنادين صحيحين متضادان، فمن كان عنده فليأت به حتى أؤلف بينهما" (٤).


(١) انظر: التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية للبرزنجي (٤١).
(٢) انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان بن على حسن (١/ ٣١٩).
(٣) إرشاد الفحول للشوكاني (٤٠٦) وانظر: الرسالة للشافعي (١٧٣، ٢١٣).
(٤) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (٦٠٦).

<<  <   >  >>