في الحقيقة أن جميع الأقوال السابقة محتملة وأقواها القول الثاني ثمّ الأوّل، وأضعفها القول الخامس والسادس.
أمّا القول الخامس فلأن فيه أن عبادة الأصنام والأوثان لا تكون إلا في آخر الزمان عند قبض الله تعالى المؤمنين بالريح الباردة، وهذا يرده الواقع، إذ أن عبادة غير الله تعالى من الأصنام والأوثان وُجدت بعد وفاته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا تزال موجودة حتي الآن والله المستعان.
"ولا يمكن أن يدعى أنه لن يعبد غير الله في بلاد العرب في وقت من الأوقات، فإن هذا باطل بالإجماع والضرورة والنصوص المتواترة، وقد كان في بلاد العرب يهود ونصارى وهم يعبدون غير الله حينما قال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الحديث"(١).
وأما القول السادس فيشكل عليه أمران:
أحدهما: "أنه لم يعهد أنّ العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يعبدون الشيطان نفسه، وإنما عهد أنهم أطاعوه في عبادة الأصنام والأوثان التي عبدوها في الجاهلية، وفي دولة الشرك والضلال، والحديث يجب أن يوجه معناه نفيًا وإثباتًا إلى ما عهد وعلم، لا إلى ما لم يعهد وما لم يعلم، فيجب أن يقال: إنّ هذه العبادة التي أيس الشيطان منها هى العبادة التي كان أهل الجاهلية
(١) الصراع بين الإسلام والوثنية (٢/ ١٢٦) بتصرف يسير.