فيما بين دليلين متعارضين بحيث لا يصح اجتماعهما بحال، وإلا لما كان أحدهما ناسخًا والآخر منسوخًا، فلو كان التعارض الحقيقي جائزًا لما كان للبحث عن إثبات الناسخ والمنسوخ -لدفع التعارض- فائدة بل كان عبثًا، وهذا لا شك أمر باطل، فدل على أن التعارض الحقيقى في نصوص الشريعة غير موجود.
٦ - أن الأصوليين قد اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة ظاهرًا -إذا لم يمكن الجمع ولم يعلم التاريخ بين النصين فيُقال بالنسخ- وأنه لا يصح إعمال أحد الدليلين المتعارضين جزافًا من غير نظر وبحث عن مرجحٍ له فلو كان التعارض الحقيقى جائزًا لأدى ذلك إلى رفع باب الترجيح وعدم العمل به والبحث عنه لأن البحث عنه -لدفع التعارض- ليس له فائدة ولا إليه حاجة، وذلك لجواز وقوع التعارض الحقيقى، ولكن هذا أمر باطل لا يصح، لأن الأصوليين -كما تقدم- قد اتفقوا على القول بإثبات الترجيح وعلى هذا فما ترتب على عدم إثباته -وهو القول بوجود التعارض الحقيقي- باطل أيضًا (١٣).
[* أسباب وقوع التعارض الظاهري بين النصوص]
تقدم لنا أن التعارض الحقيقى بين الأحاديث الصحيحة لا يمكن أن يكون، وأن التعارض الموجود إنما هو في ظاهر الأمر وفي نظر المجتهد، وفيما يلي أذكر جملة من أسباب وجود هذا التعارض الظاهري:
أولًا: أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتًا، فالثقة يغلط.
ثانيًا: أن يُخبر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن شيء فيأتي أحد الرواة بِهذا الخبر كاملًا،
(١٣) انظر هذه الأدلة وغيرها في الموافقات للشاطبى (٤/ ٨٥ - ٨٩) والتعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية للبرزنجي (٤٦ - ٤٩) ومنهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث للسوسوة (٧٢ - ٨٠) ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان بن علي حسن (١/ ٣٣٧ - ٣٤٥).