للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسلك الرابع]

أن الكي جائز غير مكروه بشرطين هما:

١ - إذا دعت الحاجة إليه، ولا يمكن الاستغناء عنه بغيره بل تعيَّن كونه طريقًا للعلاج.

٢ - وإذا اعتقد أن الشفاء بيد الله تعالى وأن الكي مجرد سبب فقط.

فإذا استعمله مع إمكان الاستغناء عنه بغيره من الأدوية كُره.

وعلى هذا تُحمل أحاديث النهي، وعضدوا قولهم بالكراهة في هذه الحالة بقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تعذبوا بعذاب الله" (١٢).

وإلى هذا ذهب القرطبي والمناوي والشوكاني عليهم رحمة الله.

قال القرطبي: "وكى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبيّ وسعد دليل على جواز الكي والعمل به إذا ظنَّ الإنسان منفعته، ودعت الحاجة إليه، فيُحمل نَهيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكي على ما إذا أمكن أن يُستغني عنه بغيره من الأدوية، فمن فعله في محلِّه وعلى شرطه لم يكن ذلك مكروهًا في حقه ولا منقِّصًا له في فضله، ويجوز أن يكون من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب كيف لا وقد كوى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز له عرش الرحمن، وأُبي بن كعب رضى الله عنه المخصوص بأنه أقرأ الأمة للقرآن؟ ! وقد اكتوى عمران بن حصين، فمن اعتقد أن هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا من السبعين ألفًا ففساد كلامه لا يخفى، وعلى هذا البحث: فيكون قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السبعين ألفًا: أنَّهم هم الذين لا يكتوون، إنما يعني به: الذي يكتوي وهو يجد عنه غني، والله أعلم" (١٣).


(١٢) أخرجه البخاري (٣/ ١٠٩٨) ح (٢٨٥٤) عن ابن عباس رضى الله عنهما.
(١٣) المفهم (٥/ ٥٩٧) وانظر (١/ ٤٦٥).

<<  <   >  >>