للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد يحتمل وجوهًا:

أحدها: أن يكون من أجل أنَّهم كانوا يعظمون أمره، ويقولون آخر الدواء الكى، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه، وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك، فنهاهم عن ذلك إذا كان على هذا الوجه، وأباح لهم استعماله على معني التوكل على الله سبحانه وطلب الشفاء ..

وثانيها: أن يكون معني نهيه عن الكي هو أن يفعله احترازًا من الداء قبل وقوع الضرورة ونزول البلية وذلك مكروه وإنما أُبيح العلاج والتداوي عند وقوع الحاجة ودُعاء الضرورة إليه، ألا ترى أنه إنما كوى سعدًا حين خاف عليه الهلاك من الترف.

وثالثها: أن يكون إنما نَهى عمران خاصة عن الكى في علة بعينها لعلمه أنه لا ينجع، ألا تراه يقول: "فما أفلحنا ولا أنجحنا" وقد كان به الناصور (٩)، فلعله إنما نهاه عن استعمال الكى في موضعه من البدن، والعلاج إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورًا والكى في بعض الأعضاء يعظم خطره وليس كذلك في بعض الأعضاء، فيشبه أن يكون النهى منصرفًا إلى النوع المخوف منه، والله أعلم" (١٠).

وقال بِهذه الوجوه مجتمعة ابن رسلان كما نقل ذلك عنه الشوكاني (١١) عليهما رحمة الله.


(٩) بالسين والصاد عِلّة تحدث في مأقى العين، تسقى فلا تنقطع، وقد تحدث أيضًا في حوالي المقعدة وفي اللثة وهو معرَّب" مختار الصحاح (٦٥٧) وانظر لسان العرب (٥/ ٢٠٥).
(١٠) معالم السنن (٤/ ٢٠٢) بتصرف يسير.
(١١) انظر نيل الأوطار (٨/ ٢٣٧).

<<  <   >  >>