للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبعضهم حملها على وضع معيّن ينهى عن الكى فيه، وبعضهم وضع شروطًا وضوابط متي توفرت جاز الكى وإلا كُره، وفيما يلى ذكرُ مسالكهم في ذلك بالتفصيل:

[المسلك الأول]

ما ذهب إليه ابن قتيبة رحمه الله وهو التفريق بين جنسين من الكى:

أحدهما: كى الصحيح لئلا يعتل، وهذا هو المنهى عنه.

وثانيهما: كى الجرح إذا فسد، والعضو إذا قُطع، وهذا هو الجائز الذي فيه الشفاء.

قال رحمه الله: "والكى جنسان:

أحدهما: كى الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم، فإنَّهم يكوون ولدانَهم وشبانَهم من غير علة بهم، يرون أن ذلك الكى يحفظ لهم الصحة ويدفع عنهم الأسقام .. وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها، وتفعل شبيهًا بذلك في الإبل إذا وقعت النقبة فيها وهو جرب أو العُرّ وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها، فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ منها ما به العُرّ أو النقبة.

وقد ذكر ذلك النابغة في قوله للنعمان:

فحملتني ذنب امرئ وتركته ... كذي العُرِّ يكوى غيره وهو راتع

وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ..

وأما الجنس الآخر: فكيُّ الجرح إذا نَغِل (٤) وإذا سال دمه فلم ينقطع،


(٤) النَّغَلُ -بالتحريك-: الفساد، ونَغِل الجرح نَغَلًا: فسد. انظر النهاية (٥/ ٨٨) لسان العرب (١١/ ٦٧٠).

<<  <   >  >>