للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الترجيح]

الذي يظهر رجحانه -والله تعالى أعلم- هو المسلك الأول وهو التفريق بين نوعين من الرحمة المضافة إلى الله تعالى:

إحداهما: المضافة إلى الله تعالى إضافة صفة إلى الموصوف بِها.

والثانية: المضافة إلى الله تعالى إضافة مفعول إلى فاعله.

وفي يوم القيامة يرحم الله عباده بكلا الرحمتين: الرحمة التي هى صفته تعالى، والرحمة التي هي مخلوقة له تعالى.

قال المهلب: "يجوز أن يستعمل الله تلك الرحمة فيهم فيرحمهم بِها سوى رحمته التي وسعت كل شىء، وهى التي من صفة ذاته، ولم يزل موصوفًا بِها، فهى التي يرحمهم بِها زائدًا على الرحمة التي خلقها لهم" (١).

وأما المسلك الثاني، والذي ذهب إليه القرطبي وهو أن: خلق بمعنى قدَّر، فإنه يُشكل عليه أن الحديث جاء أيضًا بلفظ "جعل الله الرحمة في مائة جزء" وليس من معاني جعل التقدير، بينما جاء من معانيها: الخلق (٢) كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (٣)، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (٤) وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (٥) أي خلقنا.


(١) نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح (١٠/ ٤٣٢).
(٢) انظر: تَهذيب اللغة (١/ ٣٧٣)، معجم مقاييس اللغة (١/ ٤٦٠)، لسان العرب (١١/ ١١١) كلها في مادة: (جعل).
(٣) سورة الأنعام. آية (١).
(٤) سورة الأعراف. آية (١٨٩).
(٥) سورة الأنبياء. آية (٣٠).

<<  <   >  >>