للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنصوص المعية والقرب، ويتأولون نصوص العلو والاستواء.

فهؤلاء تركوا النصوص الكثيرة المحكمة المبينة، وتعلقوا بنصوص قليلة اشتبهت عليهم معانيها.

وكما قيل: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا، ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء، وذلك لأن الحلول أغلب على عباد الجهمية وصوفيتهم وعامتهم، والنفى والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم.

٣) وزعمت طائفة ثالثة من أهل الكلام والتصوف: كأبي معاذ التومني (٢٠) أن الله تعالى فوق العرش وهو في كل مكان بذاته.

فهؤلاء يدعون التمسك بالنصوص كلها، ولكن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من قال: إن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة" (٢١).

٤) وذهبت طائفة رابعة -وهم سلف الأمة وأئمتها- إلى الإيمان بجميع ما جاء به الكتاب والسنة من غير تحريف للكلم عن مواضعه، فأثبتوا أن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، وهم بائنون منه، وهو أيضًا مع العباد عمومًا بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضًا قريب مجيب.

وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل" (٢٢) فهو مع المسافر في سفره، ومع أهله في وطنه، ولا يلزم من هذا أن


(٢٠) انظر: مقالات الإسلاميين (١/ ٣٥١).
(٢١) مجموع الفتاوى (٥/ ١٢٥).
(٢٢) أخرجه مسلم من حديث ابن عمر في كتاب الحج، (٩/ ١١٨) ح (١٣٤٢).

<<  <   >  >>