للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرادهم -والله أعلم- نفي ورود المعنى العام للقرب، وإنما مرادهم نفي أن يكون هذا المعنى العام ورد وجاء بلفظ (القرب) وأما أن يكون ورد بلفظ آخر يحمل معنى القرب كالباطن مثلًا فلا يخالفان فيه، ومما يدل على ذلك أنه قد ورد عنهما إثبات هذا المعنى العام للقرب قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قربه الذي هو من لوازم ذاته مثل العلم والقدرة فلا ريب أنه قريب بعلمه وقدرته وتدبيره من جميع خلقه، لم يزل بهم عالمًا ولم يزل عليهم قادرًا، هذا مذهب جميع أهل السنة" (٧٦).

وقال ابن القيم: "فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله بعده: فالأول: قِدَمُه، والآخر: دوامه وبقاؤه، والظاهر: علوه وعظمته، والباطن: قربه ودنوَّه" (٧٧).

وقال أيضًا: "بل ظهر على كل شىء فكان فوقه، وبطن فكان أقرب إلى كل شىء من نفسه وهو محيط به حيث لا يحيط الشىء بنفسه .. فهذا أقرب للإحاطة العامة.

وأما القرب المذكور في القرآن والسنة فقرب خاص من عابديه وسائليه وداعيه وهو ثمرة التعبد باسمه الباطن قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (٧٨) .. وفي الصحيح عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (٧٩) .. فهذا قرب خاص غير قرب الإحاطة والبطون" (٨٠).


(٧٦) مجموع الفتاوى (٦/ ١٣).
(٧٧) طريق الهجرتين (٥٤).
(٧٨) سورة البقرة، آية (١٨٦).
(٧٩) تقدم تخريجه ص (٢٦٥).
(٨٠) طريق الهجرتين (٥١ - ٥٢).

<<  <   >  >>