للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقبل ذكر أدلة هذا الفريق يحسن التنبيه على أن هؤلاء كلهم جاءت ألفاظهم في إثبات الرؤية مطلقة أو مقيدة بالفؤاد، بل إن بعضهم كأبي ذر وعبد الله بن الحارث بن نوفل وإبراهيم التيمى صرحوا بنفى الرؤية البصرية وإثبات الرؤية القلبية، ولم يصرح بالرؤية البصرية من هؤلاء إلا المتأخرون منهم كالطبري وابن خزيمة وأبى الحسن الأشعري وأبى يعلى الفراء والهروي والنووي (٢٤).

وأما قول البغوي رحمه الله في تفسيره: "وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة قالوا: رأى محمد ربه" (٢٥) فليس عليه مستند سوى ما ذكره عنهم أنَّهم قالوا: رأى محمد ربه، وهذا ليس صريحًا في إثبات الرؤية البصرية، ولذلك نقل ابن كثير كلام البغوي هذا وقال: "فيه نظر" (٢٦).

ومثله ما نسبه القرطبي (٢٧) والنووي (٢٨) إلى ابن عباس وأبى ذر وأبي هريرة من أنَّهم يقولون بالرؤية البصرية، فإن هذا ليس عليه مستند صحيح لأن الروايات عنهم -كما سيأتي- جاءت إما مطلقة وإما مقيدة بالفؤاد، ولم يأت شيء منها مقيد بالبصر.


(٢٤) وأما ما نسبه بعضهم كالقرطبي في المفهم (١/ ٤٠٤، ٤٠٢) وابن حجر في الفتح (٨/ ٦٠٨) إلى الإمام أحمد من أنه يقول بالرؤية البصرية فغير صحيح عن أحمد رحمه الله، فإنه لم يثبت عنه إلا أحد أمرين: إما إطلاق الرؤية وإما تقييدها بالفؤاد، وأما تقييدها برؤية العين فلم تثبت عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لم يقل أحمد رحمه الله تعالى أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة: رآه، ومرة قال: رآه بفواده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك" نقل ذلك عنه ابن القيم في زاد المعاد (٣/ ٣٧) وانظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٥٠٩) بغية المرتاد (٤٧٠) التبيان في أقسام القرآن لابن القيم (٢٥٧ - ٢٦١) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة للأحمدي (٢/ ١٤٥ - ١٥١).
(٢٥) معالم التنْزيل (٤/ ٢٤٧).
(٢٦) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣٨٧).
(٢٧) انظر: المفهم (١/ ٤٠٢).
(٢٨) انظر: مسلم بشرح النووي (٣/ ٧).

<<  <   >  >>