للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو أن الإسلام إنما يكفر ما كان قبله من الكفر ولواحقه التي اجتبنها المسلم بإسلامه، فأما الذنوب التي فعلها في الجاهلية إذا أصرَّ عليها في الإسلام فإنه يؤاخذ بها، لأنه إذا أصر عليها في الإسلام لم يكن تائبًا منها فلا يُكفر عنه بدون التوبة منها، وعلى هذا فإن الإساءة في حديث ابن مسعود يراد بها الإصرار على الذنوب التي كان يعملها في الجاهلية.

قال أصحاب هذا المسلك: وبِهذا القول تجتمع الأدلة وأجابوا:

- عن استدلال أصحاب القول الأول بآية:

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ .. } بأن المراد: يغفر لهم ما سلف مما انتهوا عنه.

- وأما استدلالهم بحديث: "أن الإسلام يهدم ما كان قبله" فقال أصحاب هذا القول: إن اللام في قوله (الإسلام) لتعريف العهد، والإسلام المعهود بينهم، كان الإسلام الحسن الذي يتضمن فعل الأوامر وترك النواهي فمن أسلم هذا الإسلام غفرت ذنوبه كلها.

وأما ما ذهبوا إليه من حمل الإساءة في حديث ابن مسعود على الكفر فقال عنه ابن رجب: "هذا بعيد جدًّا ومتى ارتد عن الإسلام أو كان منافقًا فلم يبق معه إسلام حتى يسيء فيه" (٢٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سُئل عن اليهودي والنصراني إذا أسلم: هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام؟

فأجاب: "إذا أسلم باطنًا وظاهرًا غُفر له الكفر الذي تاب منه بالإسلام بلا نزاع، وأما الذنوب التي لم يتب منها مثل: أن يكون مصرًّا على ذنب أو ظلم


(٢٣) فتح الباري (١/ ١٥٧).

<<  <   >  >>