للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال في شرح الطحاوية: "لكنا نقف في الشخص المعيَّن فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا من علم، لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسىء" (٥٣).

وقال ابن عبد البر معلقًا على أحاديث الوعيد: "والآثار في هذا الباب كثيرة جدًّا لا يمكن أن يحيط بِها كتاب، فالأحاديث اللينة ترجى والشديدة تخشى، والمؤمن بين الخوف والرجاء، والمذنب -إن لم يتب- في مشيئة الله" (٥٤).

- وأما الفاسق الملِّى والذي تدور حوله هذه الأحاديث فحكمه في الدنيا: أنه لا يُنفى عنه مطلق الإيمان ولا يوصف بالإيمان التام، ولكن يُقال: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يُعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم.

وأما حكمه في الآخرة: فإنه تحت المشيئة، إن شاء الله تعالى عذبه ثم أدخله الجنة، وإن شاء أدخله الجنة ابتداءً مع اعتقاد أنه إن عُذب فإنه لا يخلد في النار (٥٥).

وبِهذا القول تتبين وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق، حيث أخذوا بمجموع النصوص ونظروا إليها كلها ولم يكونوا كالخوارج والمعتزلة ولا المرجئة (٥٦) الذين نظروا بعين واحدة، وإلى جانب واحد من النصوص.


(٥٣) شرح العقيدة الطحاوية (٥٣٧). وانظر عقيدة السلف ولأصحاب الحديث للصابوني (٢٨٦). المستدرك على مجموع الفتاوى (١/ ١٠٩).
(٥٤) التمهيد (١٧/ ٢٦).
(٥٥) انظر مجموع الفتاوى (٧/ ٢٤٠، ٢٤١، ٦٧٣، ٦٧٩). معارج القبول (٢/ ٢٨٦).
(٥٦) المرجئة: المراد بالمرجئة هنا: المرجئة الخالصة وهم الذين يقولون لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة وهو قول الجهمية الذين يقولون إن الإيمان هو المعرفة فقط، وأنه لا ينقسم إلى عقد وعمل، والمرجئة فرق كثيرة ذكر أبو الحسن الأشعرى أنَّهم اثنتي عشرة فرقة. (انظر الملل والنحل (١/ ١٣٩، ٨٨) مقالات الإسلاميين (١/ ٢١٣).)

<<  <   >  >>