للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قارب ابن صياد الحلم فلم يشعر حتي ضرب النبي -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده، ثم قال لابن صياد: "أتشهد أني رسول الله؟ " فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، فقال ابن صياد للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه وقال: "آمنت بالله وبرسوله" فقال له: "ماذا ترى؟ " قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب. فقال النبي -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خلط عليك الأمر" ثم قال له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني قد خبأت لك خبيئًا" (١١) فقال ابن صياد: هو الدخ. فقال: "اخسأ، فلن تعدو قدرك" فقال عمر رضى الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله" (١٢).


(١١) الصحيح أنه أضمر له آية الدخان، وهى قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} سورة الدخان: آية (١٠) وهذا قول الجمهور. انظر مسلم بشرح النووي (١٨/ ٢٦٦).
(١٢) يرد سؤال هنا وهو: لماذا لم يقتله النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه يدعى النبوة؟ !
الجواب: عن هذا السؤال من وجهين ذكرهما أهل العلم:
الوجه الأول: أن هذه القصة جرت له معه أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، وذلك أنه لما قدم النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة كتب بينه وبينهم كتابًا صالحهم فيه على أن لا يُهاجوا وأن يُتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد في جملة القوم، ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استأذنه في قتل ابن صياد: "إن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلًا من أهل العهد" أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٤/ ٣٤٥) ح (١٤٥٣٨) والبغوي في شرح السنة (١٥/ ٨٠) وقال الهيثمى في المجمع (٨/ ٣، ٤): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وبهذا الجواب جزم الخطابى والبغوي وابن العربي، وذكره ابن الجوزي والنووي، وقال ابن حجر: هو المتعين. انظر: معالم السنن (٤/ ٣٢٣) شرح السنة (١٥/ ٨٠) عارضة الأحوذي (٩/ ٧٤) كشف المشكل (١/ ٣٣٦) مسلم بشرح النووي (١٨/ ٢٦٤) فتح الباري (٦/ ١٧٤).
الوجه الثاني: أنه حين جرت له معه هذه القصة كان صبيًّا غير بالغ، ولا حكم لقول الصبى، ومما يدل على هذا ما جاء في حديث ابن عمر أن النبى -صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجده يلعب مع الصبيان وقد قارب ابن صياد الحلم، ذكر هذا الوجه البيهقى واختاره القاضي عياض كما أفاده النووي، انظر: مسلم بشرح النووي (١٨/ ٢٦٤) عارضة الأحوذي (٩/ ٧٤) كشف المشكل (١/ ٣٣٦). قلت: ولا مانع من القول بكلا الوجهين، والله أعلم.

<<  <   >  >>