للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كشف العذاب ثم عودهم لما هم عليه لا يكون في الآخرة وإنما يكون في الدنيا.

قال ابن جرير الطبري: "قوله تعالى لنبيه محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم لشركهم بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} ثم أتبع ذلك بقوله لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} أمرًا منه له بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه وتَهديدًا للمشركين، فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحله بِهم أشبه من أن يكون أخَّره عنهم لغيرهم" (٨).

وقال الطحاوي مؤيدًا كون هذه الآيات إنما هى في ما أصاب مشركي مكة من الجهد والجوع، قال رحمه الله: "إن الله تعالى قال في كتابه في سورة الدخان: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} وأتبع ذلك قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أي عقوبة لما هم عليه من الشك واللعب، ومحال أن يكون هاتان العقوبتان لغيرهم أو يؤتى بِهما بعد خروجهم من الدنيا وسلامتهم من ذلك الدخان" (٩).

وعلى هذا القول يكون معني قوله تعالى حكاية عن المشركين: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} أن الكافرين الذين أصابَهم ذلك الْجهد والجوع يدعون ربِّهم أن يكشفه عنهم ويقولون: إنك إن كشفته عنا آمنا بك وعبدناك، فيرد الله تعالى عليهم بقوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} أي إنكم أيها المشركون إذا كشفت عنكم ما بكم من ضر عدتم إلى ضلالكم وغيِّكم (١٠).


(٨) تفسير الطبرى (١١/ ٢٢٨).
(٩) مشكل الآثار (١/ ٨٧).
(١٠) انظر تفسير الطبري (١/ ٢٢٨، ٢٢٩).

<<  <   >  >>