للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعمال الجاهلية ولا يختلف فيه" (٧).

-وأجمع أهل العلم أيضًا على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين (٨)، لأن مجرد دمع العين قد ثبت عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قوله وفعله كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال: "قد قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رأى القوم بكاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكوا فقال: "ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بِهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم" (٩).

من خلال هذا التحرير يتضح لنا أن الإشكال هنا إنما هو في حديث تعذيب الميت ببكاء الحى، لأن ظاهره مخالف للقرآن كما في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (١٠) ولذلك أنكرته عائشة رضي الله عنها ومن تبعها، وذهب جمهور أهل العلم إلى تأويله حتي لا يخالف ما ثبت بالنص والإجماع من أن الميت لا يعذب بذنب غيره، قال الشوكاني: "وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث لِمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتِها لتعذيب من لا ذنب له" (١١).

والحاصل أن أهل العلم سلكوا في هذه المسألة أو بالأحرى في هذا الحديث ثلاثة مذاهب هى كالتالي:


(٧) المفهم (٢/ ٥٧٧). وانظر: نيل الأوطار للشوكاني (٤/ ١٢٩).
(٨) انظر مسلم بشرح النووي (٦/ ٤٨٤، ٤٨٥) شرح معاني الآثار للطحاوى (٤/ ٢٩٣، ٢٩٤) كشف المشكل لابن الجوزى (١/ ٥٥) المفهم (٢/ ٥٧٦).
(٩) متفق عليه: البخارى (١/ ٤٣٩) ح (١٢٤٢) ومسلم (٦/ ٤٧٩) ح (٩٢٣).
(١٠) سورة الأنعام، آية (١٦٤).
(١١) نيل الأوطار (٤/ ١٢٥، ١٢٦).

<<  <   >  >>