للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- فإن لم يتلَبَّس بشىء مما سبق كان عذابه -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره- ألمه وتأذيه بما يراه من أهله، إما لمخالفتهم أمر رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنياحة، وإما لرقته لهم وشفقته عليهم بسبب حزنهم وبكائهم عليه، وهذا لا إشكال فيه لأن الإنسان -كما قال ابن تيمية رحمه الله- يُعذب ويتأذى بالأمور المكروهة التي يشعر بها كالأصوات المزعجة والروائح الكريهة وإن كان ذلك ليس عملًا له عُوقب عليه.

- وإن كان الميت كافرًا زاده الله عذابًا ببكاء أهله عليه، كما دلَّ على ذلك حديث عائشة رضى الله عنها: "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه".

- فإن عُذب الميت بسبب من الأسباب السابقة وبكى عليه أهله كان الأمر كما في حديث عائشة رضى الله عنها: "إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن" أي أنه يُعذب حال بكاء أهله عليه والله أعلم.

قال ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر توجيهات أهل العلم لهذا الحديث: "ويُحتمل أن يُجمع بين هذه التوجيهات فيُنزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلًا: من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عُذِّب بصنعه، ومن كان ظالمًا فنُدب بأفعاله الجائرة عُذِّب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نَهيهم عنها فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عُذِّب بالتوبيخ كيف أهمل النهى، ومن سَلِم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربِّهم" (٢).


(٢) فتح الباري (٣/ ١٥٥).

<<  <   >  >>