للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود هنا تفسير "كل مولود يولد على الفطرة" وأن من قال بإثبات القدر وأن الله كتب الشقى والسعيد لم يمنع ذلك أن يكون وُلد على الإسلام ثم تغيَّر بعد ذلك كما تولد البهيمة جمعاء ثم تُغيَّر بعد ذلك، فإن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هى عليه، فيعلم أنه يولد سليمًا ثم يتغير.

والآثار المنقولة عن السلف لا تدل إلا على هذا القول الذي رجحناه وهو أنهم ولدوا على الفطرة ثم صاروا إلى ما سبق في علم الله فيهم من سعادة وشقاوة، لا تدل على أنه حين الولادة لم يكن على فطرة سليمة مقتضية للإيمان مستلزمة له لولا المعارض" (٢).

وقال أيضًا: "من ابتدأه على الضلالة أي كتبه أنه يموت ضالًّا، فقد يكون قبل ذلك عاملًا بعمل أهل الهدى وحينئذ من وُلد على الفطرة السليمة المقتضية للهدى لا يمتنع أن يعرض لها ما يغيرها فيصير إلى ما سبق به القدر لها، كما في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يصير بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يصير بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة" (٣) " (٤).

وأما قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا" فإن معناه لا يختلف عن المعنى السابق وذلك أن معناه أن هذا الغلام قُدِّر له أنه ستتغير فطرته فيكفر وهذا ليس فيه ما يمنع أن


(٢) درء التعارض (٨/ ٤١٠) وانظر شفاء العليل (٢/ ٢٩٩، ٣١٢).
(٣) هذا قطعة من حديث تقدم تخريجه ص (٤٦٦) أوله "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه .. ".
(٤) درء التعارض (٨/ ٤١٢) وانظر مجموع الفتاوى (٤/ ٢٤٦).

<<  <   >  >>