للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد يجهل اتباع نبي من الأنبياء بعض مزاياه وخصوصياته فضلًا عن مزايا غيره، والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بحميع الأسباب التي يكون بِها هذا فاضلًا وهذا مفضولًا، لا قبل العلم ببعضها أو بأكثرها أو بأقلِّها، فإن ذلك تفضيل بالجهل، وإقدام على أمر لا يعلمه الفاعل له، وهو ممنوع منه، فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضل بعض أنبيائه على بعض لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يُفضلوا بين الأنبياء، فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك، وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن والسنة بوجه من الوجوه، فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضل بعض أنبيائه على بعض، والسنة فيها النهي لعباده أن يُفضلوا بين أنبياءه" (٣).

- وهذا القول وإن كان قريبًا من قول ابن عطية -وهو أن التفضيل جائز إذا كان على وجه العموم، ومنهي عنه إذا كان فيه تعيين للمفضول- إلا أنه أدقَّ منه لأن قول ابن عطية يُشكل عليه مثل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} (٤) حيث استدل بِها بعض أهل العلم على أن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من يونس عليه السلام لأن الله تعالى يقول: لا تكن مثله (٥)، وعلى هذا تكون هذه الآية ورد فيها تعيين المفضول.

- وأما بقية أقوال الجمع ففيها نظر لا يخفى (٦) ففي بعضها تكلف ظاهر كما في القول الرابع والخامس، وأما القول الأول والثاني فيمكن أن يقال إن النهي يتأكد عندهما، لأن التفضيل الذي يؤدي إلى انتقاص المفضول أو الإزراء


(٣) فتح القدير (١/ ٢٦٩).
(٤) سورة القلم. آية (٤٨).
(٥) انظر تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (١٠٩).
(٦) انظر فتح القدير (١/ ٢٦٩).

<<  <   >  >>