للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملك الذي فسرها له يوسف عليه السلام (٣)، ثم ما علاقة ظهور الرؤيا وخفائها بأجزاء النبوة؟ ! .

- وأما القول الثالث - وهو أن التجزئة باعتبار طرق الوحي ففيه تكلف لا يخفى ولذلك ردَّه أبو العباس القرطبي فقال: لا يخفى ما في هذا الوجه من البعد والتساهل، فإن تلك الأعداد إنما هى أجزاء النبوة، وأكثر الذي ذكره -من أحوال الوحي- إنما هى أحوال لغير النبوة: ككونه يعرف الملك أو لا يعرفه، أو يأتيه على صورته أو على صورة آدمي، ثم مع هذا التكلف لم يبلغ عدد ما ذكر ثلاثين، فضلًا عن سبعين (٤).

- وأما القول الرابع -والذي ذهب إليه ابن الأثير وغيره- وهو اعتبار مدة وحي الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منامه ونسبتها إلى مدة نبوته فمردود من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه لم يثبت من طريق صحيح أن مدة رؤياه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل النبوة كانت ستة أشهر.

قال الخطابي بعد ذكره لهذا القول: "قلت: وهذا وإن كان وجهًا قد تحتمله قسمة الحساب والعدد، فإنَّ أول ما يجب فيه أن يثبت ما قاله من ذلك خبرًا ورواية، ولم نسمع فيه خبرًا، ولا ذكر قائل هذه المقالة فيما بلغني عنه في ذلك أثرًا، فهو كأنه ظن وحسبان، والظن لا يغني من الحق شيئًا، ولئن كانت هذه المدَّة محسوبة من أجزاء النبوة على ما ذُهب إليه من هذه القسمة، لقد كان يَجب أن تُلحق بِها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه في منامه في تضاعيف أيام حياته، وأن تلتقط فتُلفَّق وتزاد في أصل الحساب، وإذا صرنا إلى هذه القضية


(٣) انظر التمهيد لابن عبد البر (١/ ٢٨٥).
(٤) انظر المفهم (٦/ ١٦) فتح الباري (١٢/ ٣٦٦).

<<  <   >  >>