للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهو لغةً: الفَهْم،

ثاني عشرها: أن يراعيَ كلُّ من المتعلِّمِ والمعلِّمِ الآخرَ خصوصًا الأوَّل؛ لأنَّ معلّمَه كالأبِ بل أعظمُ؛ لأنَّ أباه أخرجَه إلى دارِ الفناء، ومعلمَه دلَّه على دارِ البقاء؛ ولأن والدَه يُربي البدنَ، وأستاذَه يُربي الروحَ، ولذا قيل في هذا المعنى شعرٌ (١):

أقدِّمُ أستاذي على فضلِ والدي … وإن كانَ من أهلِ الزيادةِ والشَّرفْ

فَذا مُربي الروحِ والروحُ جوهرٌ … وذا مُربي الجسمِ والجسمُ من صَدفْ

واعلم أنَّ الاشتغالَ بالعلمِ له آفات كثيرةٌ، عُدَّ منها في الحقيقة:

الوثوقُ بالزمنِ المستقبلِ، فيترك التعلُّ حالًا؛ إذ اليومُ في التعلُّمِ والتعليم أفضلُ من غدٍ، وأفضلُ منه أَمسُه، والإنسانُ كلَّما كبرَ، كبرت عوائقُه.

ومنها الوثوقُ بالذكاء، فكثيرٌ مَن فاتَه بركونِه إلى ذكائِه وتسويفِه أيامَ الاشتغالِ.

ومنها التنقلُ من علمٍ قبلَ إتقانِه إلى آخرَ، ومن شيخٍ إلى آخرَ قبل إتقانِ ما بدأ عليه، فإن ذلك هدمٌ لما قد بَنَى.

ومنها طلبُ الدنيا، والترُّدُ إلى أهلِها، والوقوفُ على أبوابِهم.

ومنها ولايةُ المناصبِ، فإنَّها شاغلةٌ مانعةٌ، كما أنَّ ضيقَ الحالِ مانعٌ قويٌّ.

(وهو لغةً) أي: في اللغةِ، فـ "لغة" منصوبٌ بنزعِ الخافضِ، وقولُه: (الفهم) عند الأكثرِ؛ لأنَّ العلمَ يكونُ عنه. قال اللهُ تعالى ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨)[النساء: ٧٨].


(١) وهو لأبي الفتح النُطَنزي، محمد بن علي بن إبراهيم الكاتب، كان من البلغاء أهل النظم والنثر. توفي في حدود (٥٥٠ هـ) كما في "الوافي بالوفيات"، ٤/ ١٦١ - ١٦٢. والرواية عنده:
أقدّم أستاذي على والدي وإن … تضاعف لي من والدي البر واللطف
فهذا مُربِّي النفى والنفس جوهر … وذاك مربِّي الجسم وهو لها صدف