للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للزلفى لديهِ في جنَّاتِ النَّعيمِ، ونفَع به، إنَّه هو الرؤوفُ الرَّحيمُ.

أي: وجعلَه سببًا (للزُّلْفَى) أي: القرب (لدَيْه) أي: عنده تعالى (في جنَّاتِ النعيم) المعَدَّة للمؤمنين (ونفعَ به) أي: بهذا المختصر المبتدئين وغيرَهم (إنَّه) أي: الله سُبحانَه (هو الرَّؤوفُ) أي: ذو الرَّأفةِ. وهي كما في "القاموس": أشدُّ الرحمةِ، أو أرقُّها (١). (الرحيمُ) أي: ذو الرَّحمةِ العظيمةِ.

الشيءَ يشرفُ بشرفِ متبوعِه، ثم بَدؤوا منها بالصلاةِ؛ لأنَّها أفضلُ العباداتِ بعدَ الإيمانِ، ولم يذكُروا حكمَ الشهادتين؛ لأن التوحيدَ قد أفردوا له عِلْمًا مستقلًا وهو علمُ الكلامِ، وقدَّموا الطهارةَ عليها؛ لأنها شرطٌ، والشرطُ مقدَّم على المشروطِ طبعًا، وهو توقُّفُ شيءٍ على شيءٍ بحيثُ لا يقتضي أحدُهما انفكاكًا عنِ الآخر كالطهارةِ للصلاة، فقدِّم وضعًا، أي: ذِكرًا وكتابةً، وقَرنوها بالزكاةِ؛ لاقترانِها بها في كثيرٍ من الآياتِ كقولهِ تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] إلى غير ذلك، ثم قدَّموا الصَّومَ على الحجِّ؛ لأنَّه عبادةٌ بدنيَّةٌ، والحجُّ مركَّبٌ من المالِ والبدنِ، فهو بمنزلةِ تقديمِ المفردِ على المركَّبِ، وهذا ما يتعلَّقُ بالخالقِ. وهذا الترتيبُ في الشهادتين على ترتيبِ خبرِ "الصحيحين"، (٢): "بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ".

قال الشيخُ محمد الخلوتي: واختاروا هذه (٣) الرواية على روايةِ تقديم الحجِّ على الصومِ، وإن ثبت في "الصحيحين" (٤) أيضًا؛ لأن الصومَ أعم وجوبًا، متكرِّرٌ (٥)، وأفرادُ مَن


(١) "القاموس المحيط": (رأف).
(٢) تقدم تخريجه ص ٨.
(٣) في الأصل: "هذا".
(٤) البخاري (٨)، ومسلم (١٦) (٢١) من حديث ابن عمر .
(٥) "نهاية المحتاج" ١/ ٥٨ - ٥٩ بنحوه.