للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والماء أفضلُ مِن الحجَر، وجَمعُهما أفضلُ مِن الماءِ

بَقِيَ الأثرُ؛ لأنَّه يُعفَى عنه ما دام بمحله، وإنكارِ سعدِ بنِ أبي وقَّاص وابنِ الزبير الاستنجاءَ بالماء، وقال سعيد بن المسيب: هل يفعلُ ذلك إلَّا النساءُ (١).

(والماء أفضل … إلخ) أي: إذا أرادَ المستنجي الاقتصارَ على الماءِ أو على الحَجَر، فاقتصارُه على الماء أفضلُ من اقتصارِه على الحَجَر؛ لأنَّ الماءَ يُزيل العينَ والأثرَ، فكان أفضلَ، ولأن الذين يستنجون بالماء مَدَحهم اللهُ بقوله: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] قال أبو هريرة: "نزلت هذه الآية في أهلِ مسجد قُباء لأنهم كانوا يستنجُون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية". رواه أبو داود (٢).

والاقتصارُ على الحَجَر جائزٌ بالإجماع، بغيرِ خلافِ بين أهلِ العلم، فتلخص من هذا أن الماءَ أفضلُ. قال في "المنتهى" (٣): كجمعهما، أي: كما أن جمعَهما أفضلُ من الاقتصارِ على أحدِهما. فأصلُ هذه العبارة لصاحب "التنقيح"، وتبعَه عليها صاحب "المنتهى" -رحمه الله تعالى- ونسب صاحبُ "الإقناع" "التنقيح"، إلى السَّهو (٤)، والحال أنه لا سهوَ؛ لأن صاحبَ "التنقيح" شبَّه فضيلةَ الاقتصارِ على الماء وحده بفضيلةِ جمعِهما بجامع أن الماءَ يُزيل العينَ والأثَر، والماء والحَجَر يزيلان العينَ والأثَر كذلك، فحصلت المشابهة بينهما من هذه الحيثية، والمشبه لا يُعطى حكمَ المشبه به من كل وجهٍ، بل إذا شابَههُ ولو في بعضِ الوجوه، صحّ تشبيهه به، فعبارتُه في غايةِ الاستقامة، لا سهوَ فيها ولا ملامةَ. دنوشري.

(وجمعهما أفضل من الماء) فقط، والحجرِ فقط، وهذه هي معنى عبارة "المنتهى".


(١) أخرج ابن المنذر في "الأوسط" ١/ ٣٤٦ عن ابن الزُّبير أنَّه قال: لعن الله غاسل استه. وأورد بعده قول سعيد بن المسيب.
(٢) في "سننه" (٤٤)، وأخرجه أيضًا الترمذي (٣١٠٠)، وابن ماجه (٣٥٧). قال الترمذي: غريب من هذا الوجه. اهـ وضعفه أيضًا ابن حجر في "التلخيص الحبير" ١/ ١١٢.
(٣) ١/ ١١.
(٤) "الإقناع" ١/ ٢٧.