للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحمدُ للهِ الذي شرحَ صُدُورَنا للإسلامِ،

قولُه: (الحمدُ لله الذي … إلخ) "الذي" اسمٌ موصولٌ، صفةٌ "الله"، أو بدلٌ منه، و (شَرَحَ) صلتُه، و (صدورَنا) مفعولُه، و (للإسلام) متعلقٌ بـ "شرحَ"، وإنَّما جَعلَ اسمَ الموصول نعتًا؛ لأجلِ التوصُّلِ به إلى جَعل جملةِ الحمدلةِ وما عُطِف عليها نعتًا؛ إذْ بدونِه تكونُ الجملتانِ حالًا لا نعتًا؛ لأنَّ الجُمَلَ بعد المعارفِ المحضةِ أحوالٌ، و [لفظ] الجلالة أعرفُ المعارفِ.

فإنْ قلتَ: الحالُ وصفٌ في المعنى، فالتوصيفُ مُتأَتٍّ بدونِ الموصولِ أيضًا؟ فالجوابُ: أنَّ القصدَ التوصيفُ التصريحيُّ اللفظيُّ لا المعنويُّ، وفَرْقٌ بينهما.

فإنْ قلتَ: يَلْزمُ على جَعْلِ الموصولِ نعتًا محذورٌ، وهو أنَّ الموصولَ يؤوَّلُ مع صلتِه في قوَّة المشتقِّ، والتقديرُ: الحمدُ للهِ المتَّصفِ بكونِه شَرَحَ صدورَنا، والقاعدةُ الأصوليَّةُ أنَّ تعلُّقَ الحُكمِ على مشتقٍّ يُؤْذِنُ بعِليَّةِ مبدأ الاشتقاقِ (١)، مثاله: أكْرِمْ زيدًا العالِمَ. فيه تعليقُ الحكمِ، وهو الإكرامُ المطلوبُ على العِلْم الذي هو مبدأ الاشتقاقِ، وما هنا من هذا القبيلِ، إذِ المعنى: الحمدُ ثابتٌ للهِ المتَّصفِ بشَرْحِ الصدورِ، أي: لأَجْلِ اتِّصافه بذلكَ، فيُشعر بأنَّ ثبوتَ الحمدِ لأَجْلِ هذا الوصفِ، مع أنه يستحقُّه لِذاتِه كما يستحقُّه لصفاتِه؟

قلتُ: قد أجاب ابنُ قاسمٍ (٢) في "الآياتِ البيِّناتِ" عن نظيرِ هذا الإشكالِ؛ بأنَّ الجملةَ إنشائيَّةٌ، والمعنى هنا: إثباتُ الحمدِ للهِ؛ لأَجْلِ كونِه متعلِّقًا بما ذُكر، فهو علَّةُ إنشاءِ المؤلَّفِ، وليست الجملةُ خبريةً لفظًا ومعنًى حتى يتأتَّى المحذورُ، كذا أفاد بعضُ مشايخنا.

والشرحُ هنا مجازٌ لغويٌّ علاقتُه المشابهةُ؛ لأنَّه مِن صفاتِ الأجسامِ بمعنى: فَتَحَ، فشبَّه (٣)


(١) "الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي ٣/ ٧٨.
(٢) هو: أحمد بن قاسم العبادي القاهري الشافعي، كان بارعًا في العربية والبلاغة والتفسير والكلام. له: "حاشية الآيات البينات على جمع الجوامع"، و"حاشية على شرح الورقات"، و"حاشية على شرح المنهج". (ت ٩٩٤ هـ)."الكواكب السائرة" لنجم الدين الغزي ٣/ ١٢٤، و"شذرات الذهب" لابن العماد ١٠/ ٦٣٦ - ٦٣٧، و"كشف الظنون" ١/ ٥٩٦، وأرَّخ الزركلي في "الأعلام" ١/ ١٩٨ سنة وفاته (٩٩٢ هـ).
(٣) صفات الله ذاتية أو خبرية تثبت على حقيقتها، وكما وردت في الكتاب والسنة، تليق بالله سبحانه، ولا تشابه صفات المخلوقين، ولا يقال: إنها مجاز.