للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفتحَ بالشرحِ؛ بجامعِ مطلَق التوسيعِ، وطَوى ذِكْرَ المشبَّه، واستعارَ اسمَ المشبَّه به له على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّة، واشتقَّ من الشَّرْحِ: شَرَحَ بمعنى: فَتَح، فهي استعارةٌ تصريحيَّة تَبَعيَّةٌ، وأراد بالصدورِ القلوبَ؛ إذِ الصدورُ جَمْعُ صَدْرٍ، وهو ما حَوالي القلب، سُمِّيَ القلبُ هنا مجازًا، فإطلاقُ الصدور على القلوبِ مجازٌ مرسَلٌ؛ مِن تسميةِ الشيءِ باسمِ محلِّه أو مجاورِه، والمرادُ بالقلوبِ المعنى القائمُ لا المُضْغةُ، وقيل: هي حقيقة، كما جاءَ في الحديث: "أَلا وهيَ القلبُ" (١). والمعنى: أنَّ اللهَ تعالى فَتَحَ قلوبَ المؤمنين بتسهيلِ الإيمانِ وتهييئها لهُ.

اعلم أنَّ القلبَ سرٌّ لطيفٌ أودَعه اللهُ تعالى للإنسانِ في صدرِه مِن الجانبِ الأيسرِ، والقطعةُ اللحمُ التي هناك بمثابةِ المَرْكَب له، وكلُّ أعضاءِ الجسدِ عَسْكرُه وهو المَلِكُ، وله وجهتانِ؛ وجهةٌ يَنظر بها إلى نفسِه وعساكرِه، ووجهةٌ يَنظر بها إلى ربِّه، فالأوَّلُ هو المنطبعُ في مرآتِها صورُ الأكوانِ، ومرآةُ القلبِ العقلُ، وما دامَ العقلُ يُجِنُّهُ غطاءُ الكونِ، فالقلبُ أسيرُه ومعتقلٌ به، حتى إذا أُزيل عنه الغطاءُ، زال العقلُ المقيَّدُ، وظهرت الآثارُ، وأشرقتِ الأنوارُ، فينظر بنورِه المودَع في سويدائِه، وهو البصيرةُ، وجاء الحقُّ وزَهَق الباطل، قاله بعضُ شرَّاحِ "الحِكَم" لابنِ عطاءِ اللهِ السَّكَنْدَريِّ (٢). قالَ لمَّا سُئل عن قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٢٢]: "إذا أنزل اللهُ النورَ في القلبِ فتَحه ووسَّعه، وعلامتُه العملُ لدارِ الخلودِ، والتجافي عن دارِ الغُرور، والاستعدادُ للموتِ قبل


(١) قطعة من حديث أخرجه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩)، وأحمد (١٨٣٧٤)، من حديث النعمان بن بشير .
(٢) هو: أبو الفضل، أحمد بن محمد بن عبد الكريم، كان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه، وله عدة تصانيف منها: "التنوير في إسقاط التدبير"، و"تاج العروس" في الوصايا والعظات. (ت ٧٠٩ هـ). "طبقات الشافعية الكبرى" ٩/ ٢٣، و"شذرات الذهب" ٨/ ٣٦ - ٣٧.
وما نقله صاحب "الفتح" عن ابن عطاء كلام فلسفي غير واضح، ولا حاجة له، وليس من عادة علماء السلف مثل هذا الكلام.