للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نزولِه" (١)؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] وهذه المشيئةُ الكونيَّةُ لا تتخلَّف أصلًا، وينبني عليها: مَنْ قال لزوجتِه: أنتِ طالقٌ إنْ شاءَ اللهُ. أو قال سيِّدٌ لعبدِه: عبدي حرٌّ إن شاءَ اللهُ. وقعا، الطلاقُ والعِتقُ؛ إذ لو لم يَشأِ اللهُ ذلك، لَما أتَى بصيغتِهما، فإنَّه ما شاء الله كان، وما لم يَشأُ لم يكن، بخلاف المشيئةِ الدينيَّة التي بمعنى المحبةِ والرضى والأمْرِ، فإنَّها قد تتخلَّف، وهي المذكورةُ في نحوِ قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].

ثمَّ إنَّه آثَرَ الحمدَ المقيَّد على المطلَقِ؛ لأنَّ له مزيةً؛ لأنَّه إذا وقَع لا يقع إلا واجبًا، بخلاف المطلَقِ لا يَقع إلَّا مندوبًا، وجرى على خصوصِ التقييد؛ ليفيدَ براعةَ الاستهلالِ بالنسبة للشرحِ والفن، إذ قولُه: "شرح" يفيدُ الأوَّل، وقوله: "ومَنَّ علينا بمعرفة … إلخ" يفيدُ الثانيَ، وقوله: "شَرَحَ" هيَّأَ، وقوله: "صدورَنا" الضميرُ لمعشرِ العُلماءِ الراسخينَ، أي: قلوبَ العُلماء الثابتينَ، مِن: رَسَخَ في كَذَا، إذا ثبتَ فيه، ولا يَخفى ما فيهِ مِن المناسبةِ للمقام؛ وذلك أنَّ الإنسانَ على قسمين، عالمٍ وغيرِه، والأوَّلُ راسخٌ وغيرُه، والمناسبُ لهذا الشرحِ الراسخ هذا.


(١) أخرج هذا الطبري في "التفسير" ٩/ ٥٤٢ - ٥٤٣، والبيهقي في "الزهد الكبير" (٩٧٤) من حديث عبد الله ابن مسعود مرفوعًا.
وأخرجه عبد الرزاق في "التفسير" ٢/ ٢١٧ - ٢١٨، وابن أبي شيبة ١٣/ ٢٢١، والطبرى في "التفسير" ٩/ ٥٤١ - ٥٤٢ عن أبي جعفر عبد الله بن مسور، مرسلًا.
قال الدارقطني في "العلل" ٥/ ١٨٩ - ١٩٠ - بعد أن ذكر له طرقًا متعددة-: وكلها وهم، والصواب: عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن المسور، مرسلًا … وابن المسور متروك.
وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" ٣/ ٣٣٦: فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة، يشد بعضها بعضًا، والله أعلم.