(واللهَ أسألُ أن ينفعَ به) قدَّم اسمَ البارِي ﷻ؛ للقَصْر والاهتمامِ باسمِ الذاتِ، أي: قصَر سؤالَه وطلبَه على اللهِ لا يتجاوزُه إلى غيرِه، أو مبتدأٌ و "أسأل" خبرٌ، والعائدُ محذوفٌ، أي: واللهُ أسأَله، والجملةُ على الأوَّل فعليَّة تفيدُ التجدُّدَ والحدوثَ، وعلى الثاني اسميَّة تفيدُ ما ذُكرَ؛ لأنَّ الخبرَ فيها جملة فعليَّة، فإذن الأفضلُ الوجهُ الأوَّل؛ لدلالتِه على الحَصْر، مع إفادةِ التجدُّد والحدوثِ المتحقِّق في الأمرين، وخلوِّ الثاني منه، فقولهم: الاسميَّةُ تدلُّ على الدوامِ والثباتِ، ما لم يكنِ الخبرُ فيها جملة فعليَّة.
والسؤالُ في اللغةِ: الطَّلبُ. واصطلاحًا: طَلَبُ الأَدنى من الأعلى.
وقوله:"أن ينفع" مؤول بالنَّفْع، وحقيقتُه كما قال الراغبُ (١) في "مفرداته": ما يُستعان به في الوصولِ إلى الخيرِ، وكلُّ ما يتوصَّل به إلى الخيرِ فهو خيرٌ، فالنفعُ خيرٌ. وهو مفعولٌ ثانٍ لـ "أسأل"، والتقدير: أسألُ اللهَ النفعَ به، أي: يُوصل للناسِ خيرًا بسببِه، أو أنَّ الباء للتعديةِ بجَعْل الشرحِ آلةً للنفعِ.
أُجيب: بأنَّه عَدَل عنها الى ما قالَه لأمْرين: الأوَّل: أنَّ هذا مقامُ دعاءٍ فينبغي فيه الإطنابُ. الثاني: تحصيلُ البركةِ بوجودِ الضميرِ الراجعِ إلى اسمِ اللهِ المتقرِّر في الفعلِ دونَ المصدرِ، والشارحُ حذَف مفعولَ "ينفع" إيذانًا بالعمومِ، أي: كلَّ أحدٍ، لكنَّ ذلك العامَّ لم يَبْقَ على عمومِه، بل هو مخصوصٌ، أو أُريد به الخصوصُ، أي: كلَّ مَن قرأه وحصَّله، لا كلَّ أحدٍ ممَّن ليس كذلك، وانظر الفَرْق بين العامِّ المخصوصِ والعامِّ الذي أُريد به الخصوصُ فيما كتبناهُ على "شرح المنتهى".
(١) هو: أبو القاسم، الحسين بن محمد بن المفضل الأصبهاني، من أذكياء المتكلمين، أديب، صاحب تصانيف منها: "مفردات القرآن"، و "أفانين البلاغة"، و"المحاضرات". (ت ٥٠٢ هـ). "سير أعلام النبلاء" ١٨/ ١٢٠، و"بغية الوعاة" ٢/ ٢٩٧، و "الأعلام" ٢/ ٢٥٥. وكلامه في "المفردات" ص ٨١٩.