للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأنْ يجعَلَه خالِصًا لوجهِهِ الكريمِ؛ إنَّه وليُّ ذلك وهو حسْبي ونعمَ الوكيلُ.

(وأن يجمله) عطفٌ على قوله: "أن ينفع"، والضميرُ راجعٌ للشرحِ.

(خالصًا لوجهه) أي: لا يَشُوبُه رياءٌ ونحوُه مما يُحبِط الثوابَ، والوجهُ: الذاتُ (١)، مِن إطلاقِ الجزءِ وإرادةِ الكُلِّ مجازًا، بقرينةِ وَصْفه بالكريمِ، وهو مِن المتشابِه الذي اختَلف فيه السلفُ والخَلَفُ، كما قال البرهان اللقاني (٢):

وكلَّ نصٍّ أوْهَم التَّشْبِيهَا … أَوِّلْهُ أو فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيْها

(الكريمُ) مأخوذٌ مِن الكَرَم، وهو إعطاءُ مَا ينبغي، لمن ينبغي، على وجهٍ ينبغي، لا لغرضٍ ولا لعلَّة. قوله: "لا لغرض ولا لعلَّة" هكذا اشتهر زيادةُ ذلك، وهو مستغنًى عنه بقوله: "على وجهٍ ينبغي"، ويُمكن أن يُقال: هو بيانٌ للوجه.

(وهو حسبي ونِعْمُ الوكيل) معنى حسبي، أي: كافيَّ عن أنْ أطلُب العرنَ والتوفيقَ مِن غيرِه، و "الوكيلُ" فعيلٌ بمعنى فاعل، معناه: الحافظُ، ومنه: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] أي: الحافظُ، وهذه الجملةُ- أعني قولَه: "ونِعْمَ الوكيل"- جملةٌ قُصِدَ بها المدحُ للهِ تعالى، وهي معطوفةٌ إمَّا على "حسبي" فلا يَلزم عطفُ الإنشاءِ على الخبرِ، أي: الجملةِ الخبريَّة؛ لأنَّ "حسبي" مُفرَدٌ ولا يُوصَف بشيءٍ مِن ذلك، وإمَّا على الجملةِ "وهو حسبي"، وحينئذٍ يُقدَّر القولُ أي: وقول: فنِعْمَ الوكيل، معمولٌ لقولٍ محذوفٍ معطوفٍ على "حسبي"، أي: ومقولٌ فيه: نِعْمَ الوكيل، فالعطفُ في الحقيقةِ يكون مِن عَطْفِ جملةِ اسميَّة على اسميَّة، والإنشاءُ إنَّما هو في متعلَّق خبرِ الجملةِ، وهو لا يضرُّ في صحَّةِ العطفِ، أو أنَّ الواوَ اعتراضيَّةٌ؛ بناءً على جوازِ الاعتراضِ مِن الأواخرِ، أو أنَّ الواوَ استئنافيَّةٌ.


(١) الصحيح إثبات الوجه لله سبحانه إثباتًا حقيقيًا يليق بجلاله، ولا يشبه المخلوقين، وهذا ما استقر عليه علماء السلف المحققين، وصفات الله وأسماؤه ليست من المتشابه.
(٢) هو: برهان الدين، أبو الإمداد، إبراهيم بن إبراهيم بن حسن، اللقَاني، نسبة إلى لقانة من البحيرة بمصر، له كتب منها: "جوهرة التوحيد" منظومة في العقائد، و"بهجة المحافل في التعريف برواة الشمائل". (ت ١٠٤١ هـ). "خلاصة الأثر" ١/ ٦، و"الأعلام" ١/ ٢٨. والرجز من "جوهرة التوحيد"، وينظر "شرح الصاوي على جوهرة التوحيد" ص ١٢٨ - ١٣٠.