للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فنهاهم النبيُّ ، فلما قَضى بولَه، أَمَر بذَنُوبٍ من ماءٍ، فأُهرِيقَ عليه (١).

وقوله: (فنهَاهُم النبي ) عن زجره؛ للمصلحةِ الراجحةِ، وهي رفعُ أعظمِ المفسدتين (٢)، بتركِ أيسرِهما، وهي خشية أنْ يقومَ فينجِّس محلًّا آخر، أو لأنَّه إذا قامَ انقطعَ بولُه، فيتأذَّى بالحُقْنَةِ، أو لأنَّهم أغلظوا في التغيير (٣)، وحقُّهُمُ الرفقُ فيه. (بذَنوبٍ) الذَّنوب، بفتحِ الذال المعجمة: الدلو المُمْتلئُ ماءً. والأمرُ للوجوب، وهو على حذفِ مضافٍ، أي: مظروف ذَنوبٍ، و (مِنْ) تبعيضيَّةٌ، وهي مع مدخولها في محلِّ نصبٍ على الحال. وقوله: (فأُهريق) بزيادةِ همزةٍ مضمومَةٍ، وسكونِ الهاءِ، وضمِّها، وكذا في اليونينيَّة (٤)، ولأبي ذرٍ (٥): "فَهُريق" بضمِّ الهاء.

وقوله: (عليه) أي: على البول، وهذا يدلُّ على أنَّ الأرضَ المتنجِّسَةَ لا يطهِّرُها إلَّا الماء، لا الجفافُ بالريح أو الشمسِ؛ لأنَّه لو كان يكفي ذلكَ، لما حصلَ التكليفُ بطلبِ الدلِو، ولأنَّه لم يوجد المُزيل، ولهذا لا يجوزُ التيمُّم بها. وقالت الحنفيَّةُ غير زفر (٦): إذا أصابتِ الأرضَ نجاسةٌ، فجفَّت بالشمس، وذهبَ أثرها، جازت الصلاةُ عليها (٧)


(١) أخرجه البخاري (٢٢١)، ومسلم (٢٨٤)، وسلفت الإشارة إليه ص ٤٦٣.
(٢) في الأصل: "المصلحتين".
(٣) في الأصل: "التغير".
(٤) اليونينية نسخة من "صحيح البخاري"، نسبة إلى الحافظ شرف الدين، أبو الحسين، علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليونيني البعلبكي الحنبلي، قرأ البخاري على ابن مالك تصحيحًا، وسمع منه ابن مالك رواية، وأملى عليه فوائد مشهورة، (ت: ٧٠١ هـ). "الدرر الكامنة" ٤/ ١١٦، و "شذرات الذهب" ٦/ ٣ - ٤.
(٥) هو الحافظ المجوِّد، شيخ الحرم، أبو ذر، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السمَّاك، الأنصاري الخراسانيُّ الهرويُّ المالكيّ، راوي "الصحيح" عن الثلاثة: المستملي، والحموي، والكشميهني. من مصنفاته "مستدرك" لطيف في مجلَّد على "الصحيحين"، وله كتاب "السنة" وغيرها (ت ٤٣٥ هـ). "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٥٥٤ - ٥٦٢.
(٦) بعدها في الأصل كلمة غير واضحة.
(٧) بعدها في الأصل بياض بمقدار ثلاث كلمات.