للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مؤخَّرًا أوْلى (١).

و "الاسمُ" مشتقٌّ من السموِّ

وكونه (مؤخَّرًا) ليفيدَ التعظيمَ والاختصاصَ والاهتمامَ، وإنَّ إفادةَ التأخيرِ الاختصاص بالفحوى وحكم الذوقِ، ومعنى الاختصاصِ جَعْلُ الفعلِ المبدوءِ بالبسملةِ كالتأليفِ مقصورًا على التبُّرك باسمِه تعالى لا يتجاوزُه الى غيره مِن الأسماءِ، وهو قَصْرُ إفرادٍ (٢)، فإنَّ المشركين كانوا يبتدؤون في أفعالِهم بأسماءِ آلهتِهم، فيقولون: باسم اللَّاتِ، باسمِ العُزَّى، فوجَب على الموحِّد أن يقصِدَ بعبادتِه قَطْعَ شِرْكةِ الأصنامِ؛ كَيْلا يُتوهَّم تجويزُ الابتداءِ بأسمائِها، فيكون قصرَ إفرادٍ، كما في: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥].

(والاسم مشتقٌّ مِن السُّمُوِّ) بدليل سَمَوتُ كعَلَوْت وزنًا ومعنًى، وبشهادةِ تصريفِه، وهو مِن العلوِّ، فأصله سَمَوَ، حُذفت لامُه تخفيفًا، وهو الواو، وعُوِّض عنها همزةُ الوصلِ. أو من السِّمَةِ، وهي العَلامةُ، وأصله وَسْمٌ، قُلبت الواوُ همزة، كإرث ثم وُصلت؛ لكثرةِ الاستعمالِ، فهو مِن الأسماء المحذوفةِ الأَعجاز -أي: الأَواخر- اعتباطًا، أي: لغيرِ علَّة تصريفيَّة، كيدٍ ودمٍ؛ لكثرةِ الاستعمالِ بُنيَت أوائلُها على السكون، وأُدخل عليها همزةُ الوصلِ؛ لتعذُّر الابتداءِ بالساكنِ ثَمَّ.

ثُمَّ إنَّ قول الشارحِ: "مشتقٌّ" هذا الاشتقاقُ الصغيرُ: وهو ردُّ لفظٍ إلى آخرَ ولو مجازًا؛ لمناسبةٍ بينهما في المعنى والحروفِ الأَصليَّة، بأَنْ تكون فيهما على ترتيبٍ واحدٍ، وهو


(١) تقديره: "بسم الله أؤلف أو أقرأ" وهذا قول الزمخشري. ينظر "الكشاف" ١/ ٢٦، و "مغني اللبيب" ص ٤٩٥.
(٢) القصر: لغةً: الحبس. واصطلاحًا: تخصيص شيء بشئ بطريق مخصوص، والشيء الأول: هو المقصور، والشيء الثاني: هو المقصور عليه. وقصرُ الإفراد: إذا اعتقد المخاطبُ الشركة نحو: إنما الله إله واحدٌ، ردًّا على مَن اعتقد أنَّ الله ثالثُ ثلاثة. "جواهر البلاغة" للهاشمي ص ١٧٩ و ١٨٦.