للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو ملحَّنًا

ويَصِحُّ أذانٌ (ولو) كان (ملَحَّنًا) أي: مطرَّبًا به

"مسألة": لا تُعْتَبَرُ موالاةٌ بينَ الإقامةِ والصلاة إذا أقامَ عند إرادةِ الدخولِ في الصلاة، ويجوزُ الكلامُ بينهما، وكذا بعدَ الإقامةِ وقبلَ الدخولِ فيها، رُوي ذلكَ عن عمرَ .

إذا تقرَّر هذا، فإنْ تكلَّم المؤذِّنُ في أثناء أذانِه بكلامٍ محرَّمٍ ظاهرُه، ولو كان يسيرًا، كَسَبٍّ، وفُحْشٍ، وقَذْفٍ، وغيبةٍ، ونميمةٍ، ولو يسيرًا، بطلَ؛ لأنَّه فَعَلَ مُحَرَّمًا فيه، وهو يُنَافي العبادةَ، ولأنَّه قد خرجَ عن أهليَّةِ الأذانِ، كما لو ارتدَّ في أثنائه -والعياذُ بالله تعالى- أو فرَّق بين كلمات الأذان، بأنْ سكتَ سكوتًا طويلًا، ولو بنومٍ، أو إغماءٍ، أو جنونٍ، بطلَ الأذانُ، ولم يعتدَّ بهِ؛ للإخلالِ بالموالاةِ المشروطةِ فيه، فيَستأنِفُ.

وكُرِه في أثناءِ الأذانِ كلامٌ يسيرٌ غيرُ المحرَّمِ، وكُرِهَ أيضًا في أثناءِ الأذانِ سكوتٌ بلا حاجة. وظاهرٌ أن السكوتَ والكلامَ المباحَ اليسيرَ لا يبطلانِه، بل هو جائزٌ؛ لأنَّ سليمانَ بنَ صُرَد -وله صحبةٌ- كانَ يأمُرُ غلامَه بالحاجة في أذانه (١). وكُرِه السلامُ، لكن يكرهُ ذلكَ إن كانَ لغيرِ حاجةٍ.

قال أَبو داود: قلت لأحمد: الرجلُ يتكلَّمُ في أذانِه؛ قال: نعم. قلت له: يتكلَّمُ في الإقامةِ؟ قال: لا. ولأنَّه (٢) يستحبُّ حدُرها. "منتهى" و"شرحه".

(أي: مطرَّبًا به) يقال: لحنَ في قراءته، إذا طَرَّبَ بها، وغرَّدَ.

قال القاضي: كقراءةِ الألحان.

قال الإمام أحمد: كلُّ شيءٍ مُحدَث أكرهه كالتطريب. ويَصِحُّ؛ لأنَّه يحصل به المقصود.

وأمَّا اللَّحن: فهو الفِطنةُ والفهمُ لمَا لا يَفْطنُ له غيره، ومنه الحديث: "لعلَّ بعضَكُم ألحنُ بحجَّتِه من بعض" (٣)، واللحنُ أيضًا: الخطأُ في الإعراب، والتلحينُ: التَّخْطِئة.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة ١/ ٢١٢، والبيهقي ١/ ٣٩٨.
(٢) في الأصل: "قال: ولا يستحب"، والتصويب من "المبدع" ١/ ٣٢٤.
(٣) أخرجه البخاري (٢٦٨٠)، ومسلم (١٧١٣)، وهو عند أحمد (٢٥٦٧٠) من حديث أم سلمة .