للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: إن من أخل بشيء من العمل يكون أخل بالإيمان، (١) فبئس ما افتراه عليهمْ، كبرت كلمة تخرج من فيك يا كوثري، أن يكون خيار الأمة وأكابر الأئمة، مالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي ومن قبلهم من التابعين، والصحابة، ومن بعدهم ممن هو على آثارهم، منحازين إلى المعتزلة والخوارج، شاعرين بزعمك- أو غير شاعرين- وهم أعرف الناس بشرور المعتزلة والخوارج وضلالهم، وأنصح الأمة للأمة، بالبعد عن الانحراف عن طريق أهل السنة والجماعة، تشهد بذلك أقولهم وآثارهم وتعاليمهم، وكتبهم ومجالسهم وتلاميذهم، في كل بلد وفي كل عصر ومصر إلى يوم القيامة.

لقد قالوا: يتفاوت الايمان من أدنى درجاته في آخر من يخرج من النار، إلى أعلى درجاته في أعلى عِلِّيين من أهل الغرف الذين يتراءون كالكوكب الدري الغابر في الأفق. ولم يقولوا: إن إيمان السكير العربيد الذي لا يدري عن نفسه- لسكره وعربدته- كايمان جبريل، وميكائيل، ومحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصديق الأمة أبي بكر، وفاروقها عمر وغيرهم.

لم يقولوا بهذه المخزيات، وإنما قالوا بما قال الله ورسوله: من تفاوت أهل الايمان في الإيمان والأعمال، وتدرجهم ممن في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من الإيمان، إلى سكان الفردوس أعلى الجنة وصاحب الدرجة الرفيعة والوسيلة والمقام المحمود، ولا يقولون: إن من أخل بشيء من الأعمال يكون قد أخل بالإيمان، كما بَهَتَهُمْ به هذا البهات، وافتراه عليهم، فأقوالهم وكتبهم وتعاليمهم ومتواتر مذاهبهم: أن المؤمن يكون فيه خير وشرة وله حسنات وسيئات ولا يخلو من الخير إلا الشيطان الرجيم، ولا يسلم من الشر إلا الملائكة والنبيون صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا هو السبب في تصريحهم بالاستثناء في الايمان، فيقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء تعالى اعترافاً بالخطأ


(١) أنظر كلام الكوثري والرد عليه في "التنكيل " (٢/٣٦٣- ٣٧٨) وقد طبعه رجل العلم والفضل في بلاد الحجاز الشيخ محمد نصيف عليه رحمة الله. وقد حققه المحدث الشيخ ناصر الدين الالباني وكان هذا مما أثار حفيظة أهل التخريف على الشيخ نصيف والمحدث الألباني ولهما الأجر إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>