ففي هذا أن القلة الواحدة اثنان وثلاثون رطلاً لا القلتان معاً، والصاع عند العراقيين ثمانية أرطال، وقد يكون المغيرة رأى في بعض الروايات التقدير بالفرقين بتقدير الراء كما تقدم، وهو تالف على كل حال.
هذا والفرقان بسكون الراء قريب من قربتين وشيء من قرب الحجاز فإنها كبار كما ذكره الشافعي فالفرقان مائتان وأربعون رطلاً، ومر عن الشافعي وشيخه مسلم بن خالد صاحب ابن جريج جعل شيء نصفاً وحررّ بعض أصحاب الشافعي القربة مائة رطل فتكون قلة مائتين وخمسين رطلا فتقاربت روايتا الفرقين والقربتين وشيء. فأما ما روى عن الإمام أحمد أن القلتين أربع قرب فكأنه رجح رواية أبي قرة عن ابن جريج ورأى أن قلتين في أصل الحديث مطلقتان، وأن قلال هجراً أكبر من قلال المدينة فرأى أن الزيادة على أربع قرب غلو في الاحتياط لا حاجة إليه. وأما قول إسحاق بن راهويه أن القلتين ست قرب فكأنه أخذه من قول الشافعي خمس قرب مع قوله أن قرب الحجاز كبار فاحتط إسحاق فجعلها ست قرب بقرب العراق.
وعلى كل حال فذاك المقدار أعنى خمس قرب من قرب الحجاز داخل هو وما زاد عليه في حكم منطوق الحديث حتماً أعني أنه لا ينجس، لأنه يشتمل على قلتين أو قلتين وزيادة على جميع التفاسير، فدلالة الحديث على أنه لا ينجس حتمية ... وكذلك دلالة الحديث على أن الماء القليل الذي لا يبلغ أن يكون قلتين في تفسير من التفاسير ينجس واضحة، فبطلت دعوى تعذر العمل بالحديث، وتحتم على من يعترف بصحته أن يعمل به فيما ذكر.
وأما الأمر الخامس وهر الاحتجاج بحديث الماء الدائم فإنه صح في ذلك حديثان:
الأول: في النهى عن البول فيه. ففي (صحيح مسلم) من حديث جابر «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يبال في الماء الراكد» ومن حديث أبي هريرة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه» وفي رواية «لا تبل في الماء الدائم الذي لا يجري ثم تغتسل منه»